العلمانية الناعمة ومنهج الترابي العفن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
يقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، يقول السعدي رحمه الله: “{إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ} أي: القرآن، الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيه ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوًا يجتاحهم”.
هذا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يحمِلُ هذا الِعلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه ينفونَ عنهُ تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ»، يقول النووي رحمه الله: “وهذا إخبارٌ منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفًا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف، وما بعد فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهذا من أعلام النبوة، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه، لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم”.
وما أحسن ما ذكر الألوسي في تفسيره “روح المعاني” حيث قال: “ولله تعالى در القائل: من الدين كشف الستر عن كل كاذب، وعن كل بدعي أتى بالعجائب، فلولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب”.
وإن المتتبع لمسيرة جماعات الإسلام الحركي، على اختلاف فلسفتها للصراع ووسائلها المعتمدة في التغيير، يجد كمًّا هائلًا من العبث التصوري والتشويه السلوكي للمفاهيم السنية؛ حيث لا يقتصر الأمر على شبهات الغلو والإرجاء، بل يتعداه إلى تشويه سلوكي مشرعن، نابع من عقلية جبرية مسيطرة، ليترتب على ذلك كله غيابُ وتشويهُ كمٍّ كبيرٍ من المفاهيم السنية، وعلى رأسها: مسمى الإيمان والحكم والجهاد والخلافة والسياسة الشرعية، وغيرها كثير، الأمر الذي يوجب على العلماء الربانيين أخذ دورهم الحقيقي في صيانة المفاهيم السنية وتنقيتها من الشبه والدعاوى والسلوكيات المشوهة وفي هذا الصدد فإنني بإذن الله سأتناول في هذا المقال وعلى عجالة المنهج العفن لحسن الترابي الذي يؤصل للعلمانية الناعمة عبر كم من الشبهات حول المفاهيم والقضايا السنية المرتبطة بالحكم والسياسة والمجتمع الأمر الذي جعل:
_ ثلة من أهل العلم يتبنون الرد على شبهاته، منهم: الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه [نظرات إسلامية في مصطلحات وأسماء شائعة]، والدكتور محمود الطحان في كتابه [مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد المعاصرين] والشيخ الأمين الحاج علي الترابي في كتابيه: الأول [مناقشة هادئة لبعض أفكار الدكتور الترابي] والثاني [الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراء والكذب المهين] والدكتور محمد رشاد خليل في ثلاث مقالات في مجلة المجتمع للرد على الترابي (العدد: ٥٨٧ – ٥٨٨ – ٥٨٩) والدكتور جعفر شيخ إدريس في محاضرة رد فيها على الترابي بعنوان (العلمانية في ثياب إسلامية) وأحمد بن مالك في كتابه [الصارم المسلول على الترابي شاتم الرسول “صلى الله عليه وسلم”] وعبد الفتاح محجوب إبراهيم في كتابه [الدكتور حسن الترابي وفساد نظرية تطوير الدين] والشيخ محمد سرور في كتابه [دراسات في السيرة النبوية] وغير ذلك كثير.
_ وثلة من أهل العلم في السودان تتبنى القول بتضليله والقول بكفره وزندقته (الرابطة الشرعية) وما دفعني لهذا هو أنني بت أرى بدء تعاطي هذا المنهج العفن في المشهد السياسي السوري بلسان الحال والمقال وذلك بعد النصر القدري الذي أنعم الله به على أهل الشام وثورتهم وفيما سيأتي عرض الشبهات الأساسية التي يتبناها الترابي الضال:
١-إباحته للردة وعدم إقامة الحد على المرتد حيث زعم الترابي أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه وأنه حرٌّ في ذلك وغير خاضع للعقوبة أيضاً فقال: [وأود أن أقول: إنه في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يبدل دينه.. أما الردة الفكرية البحتة التي لا تستصحب ثورة على الجماعة ولا انضماماً إلى الصف الذي يقاتل الجماعة كما كان يحدث عندما ورد الحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بذلك بأس يذكر، ولقد كان الناس يؤمنون ويكفرون، ثم يؤمنون ويكفرون، ولم يطبق عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم حد الردة].
٢- دعوته إلى توحيد الأديان على أساس الملة الإبراهيمية.
٣- إنكاره نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان.
٤- زعمه أن الصحابة ليسوا عدولاً كلهم.
٥- إنكاره لعصمة الأنبياء.
٦- إنكاره رجم الزاني المحصن.
٧- القول بجواز التوارث بين المسلم والكافر.
٨- الزعم أن السنة والشيعة متفقون على ٩٥% من أصول الإسلام وفروعه!
٩- استحلال الخمر حيث قال: الخمر لا تصبح أمر قانون إلا إذا تحولت لعدوان، أي حد الخمر.
١٠- في قضايا المرأة:
-يجيز للمرأة المسلمة أن تتزوج باليهودي والنصراني.
-يزعم أن الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه تغطية للصدر فقط.
-جواز إمامة المرأة للرجال ووقوفها معهم في صف واحد بلا التصاق.
-شهادة المرأة وأنها كشهادة الرجل في كل شيء.
-التوسع في القول بجواز حضور المرأة محافل الرجال ومخالطتهم.
هذا وإن ما يعزز هذا المنهج العفن الهادف لترسيخ العلمانية الناعمة من الداخل تلاقيه مع مشروع عزمي بشارة ومشغليه من ناحية والقابلية المعهودة عند من يدير المشهد.
والمحسوبين عليه من بعض طلبة العلم ممن تمكنت الحزبية المقيتة في نفوسهم، وكرسوا خلال مسيرتهم في مواقفهم فقهًا انتقائيًا تلفيقيًا ومنهجًا تبريريًا تلونيًا بات مفضوحًا حتى في أوساط حزبهم.
وأخيراً؛ فإن الفرق واضحٌ بين السياسة الشرعية المثالية الواقعية المستندة إلى حاكمية الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] وبين الواقعية السياسية المادية البراغماتية المستندة إلى عبادة الهوى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23].
والحمد لله رب العالمين.