
سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد: خطورة مشروع التوغل وتبديل الثورة والجهاد تفوق خطر بشار الأسد
انهار نظام الأسد العلماني بعد سنوات من الحرب وإراقة الدماء. يدهشنا أن نرى أن الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام أبا محمد الجولاني تسلم السلطة في سوريا ونُصب رئيياً للبلاد بد أن يكون هناك زعيم ثوري شعبي أو رجل دين أو ممثل نزيه للمجاهدين. فارتدى هذا الرجل بدلة غربية وصافح المبعوث الأمريكي وابتسم أمام كاميرات قناة الجزيرة ونيويورك تايمز.
أما الشعب السوري والذين كانوا في طليعة الجهاد والثورة منذ عام 2011، فهم يسألون هذا السؤال المرير: هل قاتلنا لكي نكتسب ما اكتسبناه؟
ردد الجولاني منذ سنوات شعارات نارية وزعم فتح القدس وتحرير فلسطين وتحكيم الشريعة. وصف الجولاني في تصريحاته الأسد بأنه طاغية، بل تجاوز ذلك ووصف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والحكومات العربية بأنهم أعداء الدين. ولكن هذا الرجل لا يشير إشارة واحدة إلى الشريعة والقدس والقضية الفلسطينية بل إنه يؤكد دائماً أثناء اجتماعاته على بعض المصطلحات مثل الاستقرار السياسي والحرية الدينية والإعمار الاقتصادي والتعايش الطائفي.
يبدو أن تلك الوعود والشعارات كانت مجرد وقود تكتيكي للقفز على السلطة. يماثل الرئيس الجولاني اليوم نسخة ذات توجه سني من عبدالفتاح السيسي أكثر من أن يشبه حاكماً ذا توجه شرعي.
لم تعدّ سوريا الجولاني تماثل سوريا الجهاد. تصف وسائل الإعلام الدولية بأنه زعيم إسلامي معتدل وتشيد المؤسسات الغربية بانتقاله الناجح من التطرف إلى الديمقراطية. فلا شك أن الجولاني اليوم ليس أكثر من إنتاج مدروس للدول التي أطلق الجولاني عليها اسم الصليبيين والصهاينة.
تنشط حكومة الجولاني بدعم مشروط غربي حيث سجنت الحكومة المعارضين الإسلاميين المخلصين أو قامت بنفيهم أو القضاء عليهم شتى الطرق وطردت جماعات المقاومة الفلسطينية من الأراضي السورية من أجل إقامة العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها خاصة إسرائيل.
الخلاصة: الثورة مسروقة
يظهر لنا مصير سوريا بعد سقوط نظام الأسد أن العدو الحقيقي لم يكن بشار الأسد فحسب، بل كان مشروع التوغل وتبديل الثورة تهديداً أكثر خطورة. قد يجلب الجولاني كرئيس للبلاد التنظيم ولكنه تاجر بما استشهد الشعب السوري من أجله وباع الشريعة والكرامة والاستقلال والقضية الفلسطينية.
لم تنحرف الثورة السورية مثل العديد من الثورات الإسلامية المعاصرة، عن مسارها بسبب الهزيمة العسكرية، بل انحرفت بسبب الخيانة الداخلية والمساومات السياسية.
الكاتب: أبو عامر (خالد الحموي)