{لتبيننه للناس ولا تكتمونه} {لعلهم يحذرون} فتوى في نازلة الانضمام إلى التحالف الدولي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام
وردت إلينا أسئلة كثيرة عن حكم انضمام الدولة السورية إلى التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة، وقد بينا الأمر قبل ونزيده بيانًا الآن لكن..
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وقد وردت تصورات متناقضة لهذا التحالف صدرت من صانعي القرار أنفسهم سرًا أو علنًا، وبما أن الأمر سيتضح مع أول تطبيق عملي للاتفاق؛ كان البيان واجبًا قبله ليحذر من يشارك فيه مخالفة شرع الله وحكمه، وتعمدنا الإحالة والاختصار والتبسيط ليناسب الجواب الجميع، هذا أولًا، ثانيًا: الفتوى تفترض حالة وجود جماعة أو دولة تحكم بالشريعة خرج عليها الخوارج أو غيرهم، فإن اعتُرض بأن هذا فرض يصعب على الواقع تصديقه!، نقول: الغرض بيان الحكم جزئيًا منبتًا عن واقعه لرد تلبيس الثوابت ولجم تشويش الأصول.
ومن هذه وتلك نعرف دقة المسألة ووعورة مسلكها، ولولا واجب البيان ما خطونا في حقل الألغام.
بداية: الأصل في الاستعانة بالكفار -في أي قتال كان ولأي سبب كان- الحظر والتحريم:
خرج النبي ﷺ يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه فإذا كتيبة خشناء قال: “من هؤلاء؟” قال: هذا عبد الله بن أبيّ بن سلول ومواليه من اليهود من بني قينقاع، فقال: “أوَقَد أسلموا؟” قال: بل هم على دينهم، قال: “قل لهم فليرجعوا؛ فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين” رواه ابن أبي شيبة وغيره وصححه العلماء.
الواقعة كانت في غزوة أحد وهي قتال دفع، وعدد المشركين وعدتهم أضخم بكثير من عدد المسلمين، ومع ذلك رفض ﷺ الاستعانة بهم مع شدة الحاجة التي لامست حافة الضرورة، وهذا يبطل لغو البعض بأن الخوف من سقوط عدد زائد من القتلى مثلًا أو ما شابه يعتبر حاجة تبيح الاستعانة، بَلْهَ شطط من يعتبرها ضرورة، وهذا في الاستعانة بالمشركين على مشركين فما بالنا إن كان المستعان عليهم مسلمين “مبتدعة”؟! وهم أشد حرمة والأمر فيهم أضيق بالإجماع القطعي.
أما في خصوص الاستعانة بالكفار على المسلمين الخوارج [أجمع الصحابة على عدم كفر الخوارج كما نقل شيخ الإسلام، ومن قال بتكفيرهم بعدها كالبخاري لا يتناول كلامه خوارج عصرنا للفارق المؤثر، فتكفير خوارج عصرنا خطأ قطعي، راجع الرابط https://justpaste.it/13b01 ]
فالأصل فيه التحريم بلا ريب، فإن دعت الحاجة إليه فرأي الجمهور من مالكية وشافعية وحنابلة وظاهرية أنه محرم أيضًا (وأدلتهم غاية في القوة والظهور منها ما أوردنا من حديث) ورأى الحنفية الجواز قياسًا على الكلاب (وهو قياس مع الفارق البين، مع ما يقتضي ذلك من تحكم في الكلاب تام) لكنهم اشترطوا للجواز الظهور؛ لئلا تتحول الاستعانة إلى إعانة؛ وإعانة الكفار على المسلمين -ولو كانوا أهل بدع- مظاهرة مكفرة، واشترطوا شروطًا أخرى تضيق الأمر كثيرًا.
أما إن كانت الحالة ضرورة (وهي الخوف الحقيقي المدلل من اجتياح الخوارج بلاد الإسلام مع عدم القدرة على ردهم مما يؤدي إلى إعلاء حكمهم بدلًا من حكم الشريعة السنية) فأجاز الجمهور هنا الاستعانة لكن اشترطوا الظهور أيضًا؛ لئلا تنقلب إلى مظاهرة، ولأن غياب هذا الشرط يؤدي في المآل لتحكم الكفار في بلاد الإسلام، وهو ما لا تبيحه أي ضرورة بالاتفاق،
(أقوال العلماء وأدلتهم مفصلة على الرابط:
https://t.me/fatawashamia/7496
https://t.me/fatawashamia/7497 )
وبما أن حالة الضرورة منتفية بل إن الحاجة نفسها منتفية؛ فإن تنظيم الدولة الآن ضعيف أشد ما يكون الضعف، أوزاع متفرقون، (وللأسف فإن دخول سوريا في التحالف يكسبهم شعبية وتعاطفًا ويقوي شبههم المتهافتة) كما أن شرط الظهور على التحالف المستعان به المكون من أقوى 89 دولة منتف قطعًا مهما وضع لهم من قيود أو احترازات، وحجة سحب البساط من تحت قسد…إلخ لا وجه لها؛ لأن توصيفها الدقيق أنها إعانة للكفار على الخوارج من أجل ألا يعين الكفار كفارًا آخرين على الخوارج، وبين تهافت هذا الكلام وإن قيل في تبريره إن هذا من أجل وحدة الأراضي السورية وحفظ الهيبة… إلخ؛ فإنه لم يبح أحد من العلماء سلفًا وخلفًا الاستعانة بالكفار على المبتدعة من أجل هذه الأمور أو مثلها، بله الإعانة، ولا دل على هذا كتاب ولا سنة؛
فوحدة الأراضي تكون بإعلاء كلمة الله فيها وتطهيرها بالجهاد من كل من يحتلها من الكفار، هذا سبيل المؤمنين من النبي ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولينصرن الله من ينصره، وهيبة الدولة تحفظ بمراعاة حدود الله واتباع أوامره {من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا}، وغير هذا هو سبيل الذل ومنبع المهانة، قال ﷺ: “تنتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن، قلنا: وما الوهن؟ قال: “حب الحياة وكراهية الموت”، “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”
والحمد لله
لجنة الفتاوى الشامية





