
أخلاق المجاهد (8)
کاتب: أبي عمر السيف – تقبله الله- مفتي المجاهدين في الشيشان.
باب: في أسباب نصر المجاهدين وصفاتهم وترهيبهم من الذنوب:
قال الله تعالى: «إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إن الله غفور حليم».
وقال الله تعالى: «أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير».
وقال الله تعالى: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير».
وقال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم».
وقال تعالى: «إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار».
وقال تعالى: «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور».
وقال تعالى: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم، التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين».
وقال تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فؤلئك هم الفاسقون».
فالصحابة رضي الله عنهم حققوا الإيمان التام، والعمل الصالح التام، فحصل لهم التمكين التام في الأرض، وحينما نقص إيمان من بعدهم نقص تمكينهم بحسب ما نقص من إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين».
قال الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه اللهُ تعالى: (فأمرَ المجاهدين فيها بخمسةِ أشياءٍ ما اجتمعت في فئةٍ قط إلا نُصِرَتْ وإن قَلَّتْ وكَثُرَ عدُوها:
أحدِها: الثباتُ.
الثاني: كثرةُ ذكرِه سبحانه وتعالى.
الثالثِ: طاعتُه وطاعةُ رسوله.
الرابعِ: اتفاقُ الكلمةِ وعدمُ التنازعِ الذي يوجِبُ الفشلَ والوهنَ، وهو جندٌ يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لايستطيع أحدٌ كسرها فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها.
الخامس: ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها وإذا اجتمعت قوّى بعضها بعضا وصار لهم أثر عظيم في النصر ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
عن فضالة بن عبيد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه» رواه الترمذي وأحمد واللفظ له.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» متفق عليه.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف» رواه أبو داود.
وأنفق الكريمة: أي أنفق النفيسة من كل شيء.
وياسر الشريك: أي ساهل الرفيق وعامله باليسر.
ولم يرجع بالكفاف: أي لم يرجع لا له ولا عليه من ثواب تلك الغزوة وعقابها بل يرجع وقد لزمه الإثم.
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالارض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل السيف في الأرض، وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن الرجل يعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» رواه البخاري ومسلم.
قال ابن رجب: قوله: «فيما يبدو للناس» إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة.
الشاذة: الخارج والخارجة عن الجماعة، وأنث الكلمة على معنى النسمة أو التشبيه الخارج بشاذة الغنم والفاذة مثله.
وقيل: الشاذ: الخارج، والفاذ: المنفرد، والمعنى لا يلقى شيئا إلا قتله.
وذباب السيف طرفه الأسفل.