عمليات الجيش السوري في محافظة السويداء، تكاليف باهظة وإنجازات غامضة

عمليات الجيش السوري في محافظة السويداء، تكاليف باهظة وإنجازات غامضة

نفذت قوات الجيش السوري في السنوات الأخيرة عمليات عسكرية مختلفة وأراد الجيش من خلالها تعزيز سلطة الحكومة المركزية في مناطق مختلفة من البلاد. جعلت تعقيدات العمليات العسكرية في محافظة السويداء وهي منطقة ذات أغلبية درزية التدخلات العسكرية مكلفة وشائكة من حيث الدين والسياسة والقومية. تثير مراجعة التطورات على الأرض في أعقاب العمليات العسكرية في السويداء تساؤلات هامة عن إنجازاتها الفعلية.
كان حكمت الهجري في بداية العملية يمثل فصيلاً صغيراً في السويداء ولكن التطورات أثبتت أن التدخل العسكري أدى إلى التماسك الداخلي وزاد من قبوله بدلاً من إضعافه بحيث أبدت مجموعة واسعة من الجماعات المحلية والشعبية في السويداء دعمها لهذه القيادة أي أن تدخل الجولاني العسكري الذي يشبه مسرحية لم يتسبب في انهيار المؤسسات المحلية، بل سبب نوعاً من التحالف الإقليمي ضد حكومة الجولاني.
بينما كانت عملية الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية تتجه نحو المصالحة والتسوية، زادت هذه العمليات من مناخ انعدام الثقة بحيث تسعى قسد إلى تشكيل تحالفات تهدف لتأسيس مؤسسات موازية تواجه نفوذ الحكومة بدل أن تقترب قسد من دمشق. فقوضت الظروف الراهنة عملية الوحدة الوطنية وزادت من احتمال تفكك البلاد.
ارتكبت حكومة الجولاني أخطاء استراتيجية جسيمة في السويداء لأنها نفذت عملياتها العسكرية في هذه المحافظة إذ تغيرت الظروف الدولية التي كانت إلى حد ما لصالح الحكومة السورية. فكان رفع العقوبات وتغيير نبرة بعض الدول الأوروبية يشير إلى علامات على تقليص العزلة وزيادة الشرعية الدولية للحكومة ولكن استمرار العمليات العسكرية وتصاعد العنف قضى على هذه الفرصة الدبلوماسية ومهد الطريق لمخاوف متزايدة لدى الغرب.
أثبتت التطورات التي أعقبت عملية الجولاني المسرحية المزيفة أن ضعف السلطة الذي نشأ نتيجة لهذا العمل العسكري أتاح فرصة جيدة لتوسيع النفوذ الإسرائيلي على عكس الأهداف المعلنة المتمثلة في تعزيز الأمن والسيطرة في المناطق الجنوبية. صار نطاق التواجد الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا يتسع اليوم أكثر مما كان عليه في الماضي حيث يعدّ الأمر تهديداً مباشراً للسيادة الوطنية السورية.
والأهم من ذلك أن العمليات العسكرية في السويداء أسفرت عن مقتل عدد كبير من المواطنين أهل السنة البدو ونزوح واسع النطاق وتصاعد التوترات الاجتماعية. لا تكلف هذه الحقائق أهل السنة في السويداء ثمناً باهظاً، بل تمهد الطريق للعنف والظلم وانعدام الثقة، ما يلقي بظلالها على المنطقة في المستقبل.
أدى الضعف على مواصلة العمليات العسكرية أو التمكن من تحقيق نتائج محددة في السويداء إلى فشل الجولاني في إدارة الأزمة وسبب هذا الضعف إلى تراجع شعبية حكومة الجولاني في مختلف المناطق وشرعيتها بين مؤيديها وأتاح فرصة اللاعبين المتنافسين لاكتساب المزيد من القوة في الساحتين السياسية والميدانية.
والنقطة الأخيرة هي الواقع المرير المتمثل في ازدواجية مواقف الغرب. على الرغم من أنه أكدت الدول الغربية العلمانية خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الوحدة السورية، إلا أن دعمها المستمر لمجموعات سوريا الديمقراطية العلمانية وجهودها لإنشاء مؤسسات موازية في الشمال والشمال الشرقي يتناقض مع هذه الشعارات التي رددتها بحيث مهد هذا الموقف الطريق أمام عملية التفكك التدريجي لسوريا والتي تسير بشكل سريع نظراً إلى ضعف الحكومة في بعض المناطق مثل السويداء.
وفي الوقت نفسه زاد الموقف التركي أيضا من تعقيد الوضع إذ امتنعت أنقرة عن اتخاذ موقف حاسم يدعم وحدة أراضي سوريا بسبب التنافس الإقليمي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تتعاملان مع دمشق. فلا تزال تركيا تسيطر على مناطق من شمال سوريا ويخدم نهجها المزدوج السياسات الانفصالية.
فإن عمليات جيش الجولاني في السويداء لم تحقق أهدافها المعنلة على الرغم من الهدف الذي أعلنتها الحكومة يتمثل في تعزيز سلطة الدولة. فكانت للعمليات العسكرية نتائج معاكسة في الصعيد السياسي والعسكري والإقليمي والإنساني. دفعت سوريا ثمناً باهظاً لتنفيذ العمليات العسكرية التي لم تحقق أهدافها وباءت بالفشل حيث تمثلت هذه التكالبف الباهظة في زيادة النفوذ الأجنبي وتعزيز القوى المحلية المستقلة، وإضعاف عملية المصالحة الوطنية، وضياع الفرص الدبلوماسية.
لقد حان الوقت اليوم لدمشق أن تلتزم بأهداف الجهاد وترسي أسس الحكومة الإسلامية وتطبق الشريعة بدل أن يعتمد على الحلول التي تمليها عليها الولايات المتحدة وشركاؤها وأن تتجه نحو الحوار الوطني وإصلاح هياكل السلطة واستعادة ثقة الجمهور.

الكاتب : أبو عامر (خالد الحموي)

  • Related Posts

    مؤامرة كبيرة في سوريا والخونة يرتدون زي الجهاد والتيارات الإسلامية تسقط ويتم المساس بالجهاد عبر السلطة وتتجنب الحروب

    مؤامرة كبيرة في سوريا والخونة يرتدون زي الجهاد والتيارات الإسلامية تسقط ويتم المساس بالجهاد عبر السلطة وتتجنب الحروب لم تعد الولايات المتحدة والغرب يحتاجون اليوم إلى حروب طويلة ومكلفة لمواجهة…

    خطاب ودي لأهل لدعوة والجهاد في بلاد الشام خاصة مع المجاهدين المهاجرين والمظلومين والمسلمين في سوريا

    خطاب ودي لأهل لدعوة والجهاد في بلاد الشام خاصة مع المجاهدين المهاجرين والمظلومين والمسلمين في سوريا أيها المجاهدون والمرابطون! أيتها الأمة المضطهدة والمستفيقة في أرض الشام، اسمعوا: أين الثورة التي…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    مؤامرة كبيرة في سوريا والخونة يرتدون زي الجهاد والتيارات الإسلامية تسقط ويتم المساس بالجهاد عبر السلطة وتتجنب الحروب

    • من abuaamer
    • نوفمبر 22, 2025
    • 9 views
    مؤامرة  كبيرة في سوريا والخونة يرتدون زي الجهاد والتيارات الإسلامية تسقط ويتم المساس بالجهاد عبر السلطة وتتجنب الحروب

    خطاب ودي لأهل لدعوة والجهاد في بلاد الشام خاصة مع المجاهدين المهاجرين والمظلومين والمسلمين في سوريا

    • من abuosameh
    • نوفمبر 22, 2025
    • 8 views
    خطاب ودي لأهل لدعوة والجهاد في بلاد الشام خاصة مع المجاهدين المهاجرين والمظلومين والمسلمين في سوريا

    الخطباء يستسلمون للاحتلال من كابول إلى دمشق والخيانة واحدة والمصير متماثل!

    الخطباء يستسلمون للاحتلال من كابول إلى دمشق والخيانة واحدة والمصير متماثل!

    الجولاني عميل الولايات المتحدة الأمريكي وإسرائيل سوف يرى نتائج نفاقه وظلمه

    الجولاني عميل الولايات المتحدة الأمريكي وإسرائيل سوف يرى نتائج نفاقه وظلمه

    لعبة الشطرنج في واشنطن وابتسامة أحمد الشرع الشريرة

    • من alUrduni
    • نوفمبر 21, 2025
    • 5 views
    لعبة الشطرنج في واشنطن وابتسامة أحمد الشرع الشريرة

    هام. خاص لجنود الهيئة الجولاني وشرعييه، عن حرمة الدّخول في التّحالف الدّوليّ لمكافحة الإرهاب

    • من admin
    • نوفمبر 21, 2025
    • 7 views
    هام. خاص لجنود الهيئة الجولاني وشرعييه، عن حرمة الدّخول في التّحالف الدّوليّ لمكافحة الإرهاب