
وجود الكفار الذميين في سوريا وتحكيم شريعة الله (2)
تتمثل إحدى خصائص السيادة الإسلامية في منح أهل الذمة استقلالية داخل المجتمع وهو ما لم تتمكن أي حكومة علمانية في العالم من منحه هذا الحق للتیارات المعارضة.
ويرى الإمام القرطبي نقلا عن الزهري والسمرقندي أن السنة هي أن أهل الكتاب يجب أن يرجعوا إلى أهل الدين من حيث الحقوق والميراث، إلا إذا كانوا هم أنفسهم مستعدين لطاعة حكم الله وفي هذه الحالة يحكم عليهم القرآن. (القرطبي، نفس المصدر، ج6، صص186-185)
وهكذا يُمنح كفار أهل الذمة والمعاهدين في دار الإسلام بالإضافة إلى المحاكم الإسلامية الحق في أن تكون لهم محاكم خاصة للنظر في ادعاءاتهم وفي دعاوى وأحكامهم، بناء على معاييرهم المقبولة وهم يتمتعون أيضا بالاستقلال القضائي وسلطة تنفيذ الأحكام، أي أن لديهم الاستقلال في القوانين الخاصة بدينهم واستقلال المحاكم والبنية القضائية، كما هو الحال في النظام التربوي والعبادي والثقافي وغيرها لأنهم لقد منحوا استقلالا ذاتيا داخل المجتمع بناء على خصائصهم الدينية.
وفي هذه الحالة فإن اليهودي أو المسيحي أو حتى المجوس أو الصابئي الذي يريد أن يعيش وفقا لقوانينه الخاصة ضمن الحدود التي وضعتها له الحكومة الإسلامية سيضمن له هذه الحرية والحياة ولكن إذا أراد أن يعيش وفقا للقوانين العلمانية فهو مثل المسلم العلمان أي الإنسان الذي لا قيمة له. يقول الله تعالى عنه: قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَیْءٍ حَتَّىَ تُقِیمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِیلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَیْکُم مِّن رَّبِّکُمْ (مائده/68)
وفي هذه الحالة، فإن السيادة الإسلامية وتحكيم شريعة الله لا تتعارض مع وجود كفار أهل الذمة في بيت الإسلام فحسب، بل تضمن أيضا الحفاظ على حرياتهم، التي لن يكون لهم أبدا في أي نظام علماني أو غير علماني إلا نظام قائم على معتقداتهم الخاصة.
لذلك يجب ألا نسمح للعلمانيين من المسلمين وكفار أهل الذمة وخاصة العلمانيين والمنافقين بنشر السم والشك في الحكم الإسلامي وتبرير الحكم العلماني بهذه الشكوك.
الكاتب: أبو عامر