
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب : لا يجوز بحالٍ من الأحوال تسليم السلاح للدولة
لا يجوز بحالٍ من الأحوال تسليم السلاح للدولة، ومن فعل ذلك فقد فرّط في أعظم شعائر الدين، ألا وهي إعداد العدّة للجهاد في سبيل الله. والمتقرر عند أهل العلم أن الوسائل لها حكم المقاصد، والسلاح من أهم وسائل الجهاد، فإذا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، فالسلاح هو ذروة سنام الجهاد.
فإن قيل: إن الحكومة هي التي أمرت بذلك، وهي وليّ الأمر الذي تجب طاعته.
قلنا: الردّ على هذا من وجوه:
أولًا:
وليّ الأمر الشرعي هو من تولّى الإمامة بطريق شرعي، وحكم بين الناس بالعدل، وأدى الأمانة، فاستحقّ السمع والطاعة، لا لمجرد تسلطه، بل لما اجتمع فيه من شروط الولاية. فإنّ الطاعة إنما تكون لذي عدل وأمانة.
قال تعالى:
*{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ۖ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 58-59].
فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم عقد، وأركان العقد ثلاثة: العاقد، والمعقود عليه، والعاقد له. فإذا وفّى الحاكم بمسؤوليته في الحكم بالعدل، وأدّى الأمانة، فقد استوفى المعقود عليه، ووجب حينها على الناس السمع والطاعة.
وهذا هو فهم الصحابة رضي الله عنهم؛ فقد رُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
«حقٌّ على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه، لأن الله تعالى أمرنا بأداء الأمانة والعدل، ثم أمر بطاعته».
فإن قيل: الحكومة تُعدّ من إمامة التغلّب.
قلنا: المتغلّب الظالم لا طاعة له، ولا بيعة، ولا عقد. والفقهاء – وإن ذكروا طاعة المتغلّب – فإنما أشاروا إلى طاعته في حدود معينة، لا باعتباره إمامًا شرعيًا له عقد بيعة، بل من باب دفع الضرر، والتعاون على البر والتقوى.
قال تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].
قال ابن عباس في تفسيرها: «لا عهد لظالم عليك في ظلمه، أن تطيعه فيه»، وقال مجاهد: «لا يكون إمام ظالم يُقتدى به».
وفي الحديث الصحيح: «لا طاعة لمن عصى الله»، وهي قاعدة فاصلة، تردّ كل دعوى طاعة في باطل أو أمر مخالف للشرع، فليست هناك إمامة ولا عهد لمن عصى الله وخان الأمانة.
والطاعة التي تقع من باب التعاون على البر والتقوى، ليست مقصورة على المتغلب، بل حتى الكافر قد يُعان على ما فيه تعظيم لحرمات الله. قال ابن القيم في زاد المعاد:
«إن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرًا يُعظّمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، فإنهم يُجابون إلى طلبهم».
وضابط هذه الطاعة أن يكون المأمور به في نفسه طاعة لله، ظاهر التعظيم لحرماته، لا أن يكون ذريعة لمعصيته أو تمكينًا للباطل.
ومن تأمل في أمر تسليم السلاح للدولة، علم أنه لا يندرج تحت هذا الضابط؛ بل هو من أعظم ما يناقضه، فإن فيه تفريطًا ظاهرًا في فريضة الإعداد، وتمكينًا للظالم الخائن من رقاب الناس، فأنّى يكون هذا تعظيمًا لحرمات الله؟ بل هو معصية محضة.
فإن قيل: لعله يُحتمل أن يكون في تسليم السلاح مآلٌ راجح فيه تعظيم لأمر الله، بحسب اجتهاد الدولة.
قلنا: الطاعة للظالم الخائن ليست كطاعة العادل الأمين؛ فالأول محلّ ريبة وشك، وليس أهلاً أن يُسلّم له أمرٌ خطير كهذا دون تمحيص. وشرط الطاعة أن يكون ظاهر الفعل في الحال تعظيمًا لأمر الله، لا أن يُتوهَّم مآله.
وقد قرر النبي ﷺ هذا الأصل بقوله:
«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»،
قال المناوي رحمه الله:
«أي اترك ما تشك في كونه حسنًا أو قبيحًا، أو حلالًا أو حرامًا، واعدل إلى ما لا شك فيه، يعني ما تيقنت حِلّه وكونه من الطيبات».
وتسليم السلاح للدولة – تنزّلًا – هو من الأمور المريبة، التي يتردد فيها العاقل، فلا يجوز الإقدام عليها، ولا التساهل في شأنها.
وإني لأعجب ممن يتحدث عن الجهاد، ثم يدعو المسلمين إلى تسليم سلاحهم ونزع عدّتهم، في الوقت الذي تُشكّل فيه الدول العلمانية جيوشًا شعبية، وتدرّب الناس عامةً على السلاح، بل وتسلمهم إياه!
بل الأعجب من ذلك أن اليهود – وهم مغتصبون للأرض، مفسدون في البلاد، يقتلون الحرث والنسل – يسلكون مسلك التعبئة الشاملة، فيسلّحون نساءهم وأطفالهم، ويعدّون الجميع للمواجهة، فهل يُعقل أن يُطلب من المسلمين في ذات الوقت أن يُسلموا سلاحهم ويقعدوا عن الإعداد؟!
کاتب: ماجد الراشد ابوسیاف