
لم يكن الجهاد السوري للتدريس في شتى الفصول الدراسية وإقامة صلاة الجماعة فحسب، بل …
كنا نجد في عهد بشار الأسد فصولاً مختلفة لتعليم التلاوة والتجويد وتحفيظ القرآن ونشاهد فصولاً لتدريس التخصصات المختلفة في الفقه الإسلامي على مختلف المستويات الجامعية وكانت سوريا من مراكز استقطاب الطلاب من جميع أنحاء العالم وتخريجهم كما اشتهرت البلاد بإصدار مجموعة مختلفة من الكتب الإسلامية والفقهية في العالم.
وكان الناس إضافة إلى ذلك يتمتعون بالحرية للمشاركة في صلاة الجمعة والجماعة.
أما أهل الدعوة والجهاد على مر التاريخ فهم لم يكتفوا بهذا القدر من الحرية. ولهذا قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبّيك، وإنّما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة.» (الآداب الشرعية لابن مفلح، ۱/۲۳۷)
يدل هذا الكلام الذكي كنور في ظلمة الزمان على المعيار الحقيقي للإيمان. يدعونا ابن عقيل إلى رعاية أولويات الشريعة ويحذرنا من الانجرار خلف مظاهر العبادات التي حلت محل أولويات شريعة الله.
إن الصفوف المزدحمة للصلاة وذرف الدموع في صلاة عرفة وترديد اللبيك في الحج من الشعائر الحسنة ولكنها لا تعدّ معياراً حقيقياً وحيداً للإسلام بل المعيار الحقيقي هو درجة الصدق في الإيمان للوقوف ضد أعداء الشريعة.
إذا تظاهر الفرد أو المجتمع بالإيمان ولكنه صادق أعداء الله أو ذاد عن الطاغوت وصمت أمام الظلم، فهذا إيمان مزيف. يصاحب الإسلام الحقيقي دين الله ولا يخضع للباطل بل يعادي أعداء الشريعة ولا يسامحهم.
إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى العودة إلى ما حدده ابن عقيل بصراحة: اتخاذ موقف واحد أمام الطاغوت ونبذ التظاهر بالإيمان في هذا العصر المظلم الذي يتحدث فيه الكثيرون عن الإسلام ولكنهم يتحالفون مع أعداء الشريعة.
لا يظهر معيار الإيمان لأهل الشام في إقامة فصول تحفيظ القرآن وتلاوته وصلاة الجمعة وصلاة الجماعة أو الأنشطة الثقافية، بل يظهر إيمانهم في مساهمتهم في ساحة الجهاد ضد المحتلين خاصة الصهاينة وفي مساعدة إخواننا المحاصرين في غزة. فمن يقرأ القرآن ولكنه يصمت أمام المحتلين الصهاينة في أرضه ويسكت عن تعطيل شريعة ويتجاهل قصف أطفال غزة، لقد خان القرآن.
شهدت أرض الشام وهي أرض الجهاد والرباط بزوغ الإيمان مرات عديدة. أما الجولاني وأعضاء جماعته فهم يحاولون اليوم إخماد نار الجهاد بعد مضي سنوات من المؤامرة والخيانة والضغط.
لقد حان الوقت اليوم للمجاهدين المخلصين في سوريا لتنظيم انتفاضة جديدة تقوم على الغيرة على الدين وحماية الشريعة والوفاء بالدماء الشهداء المقية وتعكس صرخة لا تجري على اللسان فحسب، بل تجري على السيف والصبر والوقوف حيث تدوّي هذه الصرخة على مرتفعات جبل الزاوية والغوطة وحلب.
يجب أن تنتفض أرض الشام من جديد. يجب أن يحيى الجهاد مرة أخرى ببصيرة وإخلاص والتزام ثابت بالشريعة، لأنه لطالما أعداء الله يحكمون علينا، يجب أن تنتهي صلواتنا وحجنا إلى الجهاد والحضور في ساحات المعارك.
فانهضي یا شام وأعلنیها صرخة الحق في وجه الباطل، انهضي یا شام، کما قال الشاعر:
قم یا مجاهدُ قد أتاكَ الموكبُ
و على دروب العزِّ يُزهِرُ كوكبُ
لا تُطفئَنَّ النورَ في أحراشِنا
فالشامُ لا تُهزَمْ، وإن طالَ الكَربُ
الكاتب: أبو أسامة الشامي