
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} كيف نسلم إخواننا في غزة لبني صهيون!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد؛
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣].
يقول السعدي رحمه الله: “ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها التي أعدها الله للمتقين؟! فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها”.
وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١].
يقول الطبري رحمه الله: “يقولُ تعالى ذكرُه: سابِقوا أيُّها الناسُ إلى عملٍ يُوجِبُ لكم مغفرةً من ربِّكم وجنةً عرضُها كعرضِ السماءِ والأرضِ، أَعِدَّت هذه الجنةُ {لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} يعني: للذين وحَّدوا اللَّهَ وصدَّقوا رسلَه”.
وهنا لفتةٌ رائعةٌ حيث قارن تعالى عرض الجنة بعرض السماوات والأرض فقط دون الطول؛ والطول أضعاف العرض، وهذه اللفتة المشوقة مماثلةٌ لقوله تعالى في سورة الرحمن: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] وهنا ذكر تعالى أن باطن الفرش محشوٌ بالإستبرق وهو غير ملفتٍ ظاهرٍ للناس، فما بالك بظاهر الفرش!! ماذا كُسي حتى يلفت الأنظار!!
وامتدح تعالى قومًا صالحين فأخبر أن من صفاتهم المسارعة إلى الخيرات فقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:١١٤].
وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة:٤٨].
وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:١٤٨].
وقال تعالى: {لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [التوبة:88]، جعل ثواب جهادهم وإنفاقهم في سبيل الله ومسارعتهم إلى الطاعات أن أكرمهم بالخيرات فكانوا من المفلحين.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:٧٣]، امتثال أوامر الله بفعل الخيرات والبعد عن المنكرات هدايةٌ ووحيٌ ومنةٌ من الله تبارك وتعالى.
قال تعالى: {فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} [الأنبياء:90] المسارعة في الخيرات سببٌ لاستجابة الدعاء والرزق بالذرية وإصلاح الزوجة.
والمسارعة في الخيرات صفةٌ ظاهرةٌ لحملة كتاب الله وحملة رايته ولوائه، المدافعين عن الدين والحرمات والمقدسات، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:٣٢]، فطوبى للمجاهدين الحاملين لكتاب الله، المطبقين لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حملة اللواء حماة الدين والأرض والعرض، السابقين بالخيرات.
إن جل الآيات الحاثة على فعل الطاعات والنهي عن المنكرات والمسارعة بالخيرات جاءت في سياق الحال الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم في حياته، يقيم الفرض ويطبق السنة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسارع في الخيرات ويعبد الله حق عبادته.
وكلما كان العبد أكثر التزامًا لأوامر الله كان أرفع درجةً وأعظم أجرًا، وكلما التمس بواطن الخير فاغتنمها وعرف بواطن الشر فاجتنبها وحذر منها كلما ارتقى في سلم النعيم من البركات والأعطيات والخيرات والله عظيمٌ كريمٌ جوادٌ إذا أعطى أدهش بعطائه.
واعلم أخي المسلم المجاهد أن الدنيا دار عملٍ واجتهادٍ دون حساب، وأن الآخرة دار حسابٍ دون عمل، فمن أحسن في الأولى أفلح في الدارين، ومن أساء في الأولى أضاعهما معًا، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ بِٱلۡحُسۡنَى} [النجم:٣١]، وقال تعالى: {وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} [الكهف:49].
ومن أفضل المسارعة بالخيرات الجهاد في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال: «جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم».
وهذا هو السباق الحقيقي والمنافسة الشريفة المنشودة والمسارعة المحمودة، قال تعالى: {وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ} [المطففين:26]
فأي مسارعةٍ خيرٌ وأفضل من نصرة المستضعفين وإغاثة الثكالى والأيامى ومسح دمع الأرامل واليتامى وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وسقاية الظمآن!!! خاصةً وأننا في زمن جاهليٍّ لم يسبق له مثيل.
زمنٌ عزَّ فيه النصير وانتشر الظلم وعمَّ الفساد وتكالب الأعداء وانتشر الخذلان وكثر المظلومون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
رُوي في الأثر في زمن الجاهلية الأولى: “أن زهير بن أبي أمية غدا وعليه حلة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة؟ أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة، القاطعة الظالمة”، وأين نحن من هذه الجاهلية الأولى!!!
يقتل أهلنا في غزة ويسامون سوء العذاب جوعًا ومرضًا ونزوحًا وتشريدًا وتدميرًا، تسلط عليهم القريب والغريب والبعيد وخذلهم مليارا مسلم.
كيف نسلم إخواننا في غزة لبني صهيون!!!
هل نخذل الأرامل واليتامى، هل ننسى الجوعى والظمأى، هل نخذل أمهاتنا وأعراضنا في غزة ليساموا سوء العذاب..
إياكم والخذلان أو التقصير في نصرة المسلمين في غزة بكل ما تملكون وتستطيعون..
انصروهم بالمال والسلاح والنفس والخبرات والإعلام وفي جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة..
نصرتهم واجبة وعلى رأس المهام والأولويات لكل مسلم وليس من باب فضول الأعمال واليسير والمتوفر والمتاح..
سنة الله ماضيةٌ ولا أنساب بيننا وبين الله عز وجل..
فمن نَصَرَ نُصِر.. ومن خَذَلَ خُذِل..
فالهمة الهمة.. والبدار البدار..
اللهم أكرمنا بنصرة أهل غزة نصرةً حقيقيةً تزيل عنهم بأسهم وتذهب ما أصابهم من الهم والحزن والوجع وفقد الأهل والمال والولد والبنيان، اللهم ثبتهم على دينك وأكرمهم بالنصر والصبر والفرج العاجل والعوض على ما أصابهم إنك ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
الکاتب: الشيخ أبو حمزة الكردي