سوريا الجولاني تسير على طريق عبادة الشخصيات والابتعاد عن التوحيد والشريعة (1)
ما يحدث في سوريا اليوم يفوق كونه مجرد أزمة سياسية بحيث إننا نواجه انهيار معايير الشريعة وقواعدها. استبدلت القواعد الصريحة للقرآن والسنة النبوية التي كانت تعتبر إطاراً للعمل اليوم بما يفسح المجال للإرادة الفردية والتقويم الشخصي. يحلّ الشخص العادي محل النصوص الدينية الثابتة في هذه الحالة ثم يتهم من يعترض عليه بالتحدي لـ”محدث ملهم ” أو “ولي خاص” بمجرد الإشارة إلى أخطائه. تثبت هذه الحالة أن التيار الحاكم يسير بشكل رسمي على طريق المبالغة وتطهير الأفراد وهذا هو النهج الذي ينسبونه إلى غيرهم بشكل مستمر.
لقد خلقت هذه العملية نوعا من التأويل الذي يرفض الفهم الدقيق لحكم الله، بل حُكّم لتبرير القرارات الشخصية والنتيجة هي التحول من النص إلى الشخص بحيث تفوق القرارات الفردية الأحكام المنصوص عليها. هذه هي عملية خطيرة تسمى بـ”عملية تصنيم القادة” أي جعل القادة أصناماً وتحويلهم إلى سلطة حصرية للحق والباطل.
تبرّر الانتهاك الصريح للأحكام السماوية ببعض المسميات مثل فقه الضرورة أو المصالح المرسلة أو الاحتفاظ بالوفاق أو السياسة الدينية في هذا الإطار. تعدّ هذه المفاهيم أدوات فقهية واجتهادية ولكنها تحولت اليوم في سوريا إلى درع يضفي الشرعية على المخالفات، ثم تتزين السياسة بأحد هذه الألقاب لاكتساب الشرعية لتكون محصنة من النقد.
أسفرت هذه العملية عن تهميش الخطاب الديني في سوريا الجولاني بشكل رسمي ولم نعد نجد حديثاً عن المحكمات والثوابت الدينية وعن الولاء والبراءة والكفر بالطاغوت، وتوحيد الحكومة والعلمانية والاستعانة بالكفار. تبدو هذه المبادئ، التي كانت ذات يوم تستخدم في الخطابات كأنها عفا عليها الزمن أو انتهت الصلاحية أو لم تكن محكمة وثابتة. لا تدار الأمور في سوريا اليوم عند إدارة البلاد وفقاً للنص والشريعة، بل تحكم أهواء الجولاني وضرورات اللحظة والمصلحة السياسية على كل شيء.
ما نرا اليوم بوضوح هو أن الجولاني تحول إلى مصدر وحيد يجب أن يصدر كل شيء منه كأنه هو الشريعة المقدسة الجديدة. تتناقض هذه العملية مع المبادئ الأساسية للدين وتعزز خطر الاستبداد الديني الذي يتمحور حول الإنسان. إن ما يهيب بنا إلى انتقاد هذا الوضع ليس العداء، بل إننا نحرص على حماية حدود الدين ومنعه من السقوط في هاوية عبادة الشخصية الدينية وهو الخطر الذي يدلّ على الانحراف.
الکاتب: أبو أنس الشامي





