يا أمة الإسلام؛ توجيهات منهجية للشيخ أسامة بن لادن (3)

يا أمة الإسلام؛ توجيهات منهجية للشيخ أسامة بن لادن (3)

الكاتب: أسامة بن لادن

والآن بعد أن عرفنا حال الحكام؛ ينبغي أن ننظر في المنهج الذي كانوا يسيرون عليه:

إن المتأمل في منهج هؤلاء الحكام يتضح له بغير عناء أنهم يسيرون وفق أهوائهم وشهواتهم، ووفق ما تقتضيه مصالحهم الشخصية وولاءاتهم الصليبية، فالالتزام بالإسلام ليس من الثوابت في منهجهم ودينهم، وإنما هم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، مما يتوافق مع أهوائهم ويحافظ على ملكهم، وذلك كفرٌ أكبر كما بينه تعالى بقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة البقرة : 85]، فالثابتُ الأساسُ عندهم؛ هو الثباتُ في الملك فقط لا غير.

فالخلل ليس في قضية فرعيةٍ كفساد شخصي محصورٍ داخل قصر الحكم، إنما الخللُ في المنهجِ من أساسه، وذلك عندما انتشر ذلك الاعتقادُ الخبيثُ والمبدأُ الهدّام في معظم نواحي الحياة؛ بأن السيادة والطاعةَ المطلقتين للحاكم، وليستا لدين الله تعالى، أي أن العبوديةَ للحاكم وليست لله تعالى، وتلك هي الحقيقةُ المهمة التي يُخادِعُ فيها الحكام، وإن تستروا في بعض البلدان تحت عباءة الإسلام، وخاصةً بعد أن سَخّروا جيشاً من العلماءِ والخطباءِ والكتابِ وجميعِ أجهزةِ الإعلامِ للمبالغةِ في تضخيمِ معنى “الطاعةِ لوليِّ الأمر” منذ قرنٍ من الزمان، بعيداً عن القيود التي قيدها بها دين الله تعالى، حتى أصبحَ الحاكمُ وثناً يُعبدُ من دون الله – كما هو الحالُ في بلاد الحرمين – ومن أَبَى من العلماءِ مداهنتهم؛ فله السجن حتى يُدَاهِنَ مُكرهاً، وكما أنهم تستروا في بلدانٍ أخرى تحت عباءة البرلمان والديمقراطية [36].

لذا فحال جميع الدول العربية في انحطاطٍ سحيق في جميع مناحي الحياة، في أمور الدين والدنيا.

ويكفي أن تَعْلَمَ أن اقتصاد جميع الدول العربية أقلُّ شأناً من دولةٍ واحدةٍ كانت يوماً من الأيام جزءاً من عالمنا – يومَ أن كنّا متمسكين بالإسلام حقاً – ألا وهي الأندلس المفقود [37]، فأسبانيا دولة كافرة، ومع ذلك فاقتصادهم أقوى من اقتصادنا [38]، لأن هناك حساباً وعقاباً للحاكم، وأما في بلادنا فلا حسابَ ولا عقاب، وإنما السمعُ والطاعةُ والدعاءُ له بطولِ العمر.

وما وصلنا إلى هذه الحالة المزرية إلا لأنه قد غاب عن الكثير منا الفهمُ الصحيحُ والشاملُ لدينِ الإسلام، واقتصر فهمهم على أنه أداءٌ لبعض الشعائر التعبديةِ – كالصلاةِ والصيام – وهي على أهميتها العظمى إلا أن دينَ الإسلام يشملُ جميعَ شؤونِ الحياة؛ الدينية والدنيويةِ أيضاً – كالاقتصادية والعسكرية والسياسية – بما فيها الميزان الذي نزن به أفعال الرجال من الحكام والعلماء وغيرهم، وكيفية التعامل مع الحاكم وفق الحدود التي وضعها الله تعالى له فلا يتجاوزها، كالتشريع من دون الله، وموالاة الكفار ومناصرتهم على المسلمين، أو العبث والاختلاس الهائل من مال الأمة العام.

وكثيرٌ من الناس يظنون أن هذا من صلاحيات ولي الأمر، ولا يعلمون أن هذه الأفعال مِنَ الحاكم؛ هي من الكبائرِ العظامِ في شريعتنا، ولا تجبُ لهُ فيها الطاعة، بل إن تشريعه من دون الله وموالاته للكفار كفرٌ أكبر مخرجٌ من الملة، يوجبُ الخروجَ عليه [39] بَعدَ إعدادِ ما يلزم [40].

ولو أنهم قرؤوا القرآن والسنة – وهذا ما ينبغي علينا – وتدبروا فيهما لاتضح لهم ذلك جلياً في نصوصٍ كثيرة، ومن ذلك حديثُ عديِّ بن حاتمٍ رضي الله عنه [41]، وكان قد تنصّرَ في الجاهلية، وكان يظن كما يظن كثيرٌ من الناس أن اتّباعَ السادةِ والكبراء من الأمراء والعلماء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله ليس عبادةً لهم وليس كفراً بالله تعالى، لأنه لم يصلِّ لهم ولم يصم، ولكنه عندما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة : 31] [42]، قال: (فقلت؛ إنهم لم يعبدوهم!)، فقال: (بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلك عبادتهم) [رواه أحمد والترمذي] [43].

فانتبهوا إلى هذه الآية، فهذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف يبينان بوضوح وجلاء؛ أن طاعة الحاكم أو العالم أو غيرهما واتباعهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله؛ عبادةٌ لهم من دون الله، وهذا شركٌ أكبر مخرجٌ من الملة، عافانا الله وإياكم من ذلك.

وذلك ما عقّبَ به سبحانه وتعالى في آخر الآية الكريمة ونزّهَ نفسه الشريفة عنه، حيث قال: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وذلك بعدما قال تعالى في نفس الآية: {مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، وفي ذلك بيانٌ على أن التشريع في التحليل والتحريم عبادة، وهو من أخصِّ خصائصِ الألوهية [44]، ومن أهم مقتضياتِ شهادةِ “أن لا إله إلا الله”، الركن الأول من أركان الإسلام، وهي رأس الإسلام، وفي هذا تنبيه عظيم جداً للذين يظنون أن الإسلام هو مجرد التلفظ بشهادة “أن لا إله إلا الله”، ولا يعلمون أن لها مقتضيات إن لم يلتزموا بها فهم لم يلتزموا بشهادة “أن لا إله إلا الله” [45].

وخلاصة القول:

إن غياب الفهم الشاملِ لدينِ اللهِ كمنهجٍ لجميع شؤون الحياة، بما في ذلك منهج الإسلامِ في محاسبة الحكام، لأنه باستقامتهم على المنهج على دين الله تعالى تستقيم أمور البلاد والعباد، فغياب هذا الفهم من أكبر مواطن الخلل في حياة الأمة اليوم، فيجب أن نعي هذه المسألة وعياً تاماً ونفقهها ونحن نبدأ مسيرة الإصلاح اليوم لنسير على الصراط المستقيم بإذن الله تعالى، ولا نذهب في التيه لقرنٍ آخر من الزمان، ومن الكتب المفيدة في ذلك والتي شرحت الآية الكريمة السابقة؛ كتابُ “الإيمان” لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكتابُ “فتح المجيد” للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله تعالى، وكتاب “مفاهيم ينبغي أن تصحح” للشيخ محمد قطب.

وهكذا؛ ظهر أن الحكام عاجزون وخائنون، وأنهم لم يسيروا على منهج الإسلام القويم، بل ساروا وفق أهوائهم وشهواتهم، وهذا هو سبب الانتكاسات في مسيرة الأمة خلال العقود الماضية، وبالتالي يتضحُ لنا جلياً أن الحلَّ يكمنُ في التمسكِ بدين الله تعالى الذي أعزنا الله به خلال القرون الماضية، وتنصيبِ قيادةٍ قويةٍ أمينة تقيم القرآن فينا وترفعُ رايةَ الجهاد حقاً.

فيجبُ على الصادقينَ ممن يعنيهم الأمرُ – كالعلماء والزعماء المطاعين في أقوامهم والأعيانِ والوجهاءِ والتجارِ – أن يتنادوا ليجتمعوا في مكانٍ آمن بعيداً عن ظل هذه الأنظمة البطّاشة، ويشكلوا مجلساً لأهل الحل والعقد ليسدوا الفراغ الذي حصل بسقوط هذه الأنظمة شرعاً وعجزها عقلاً، حيث إن الحق في تعيين الإمام إنما هو للأمة، والحق لها في حملهِ على الجادة إذا انحرف عنها، والحق لها في عزله إن ارتكب ما يوجب ذلك – كالردة والخيانة مثلاً – وهذا المجلس المؤقت يتشكل من الحد الأدنى الممكن من الطاقات والكوادر دون أن يفتئتوا على بقية الأمة – إلا فيما تبيحه الشريعة في حالة الضرورة – إلى أن تستكملَ بقيةُ الأعداد عندما تتحسن الأوضاع بإذن الله، ويكون منهجهم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويبدؤون بتوجيه المسلمين إلى الأولويات المهمة في هذه المرحلة الحرجة، ويأخذوا بأيديهم إلى بر الأمان، على أن يكونَ من أولى أولوياتهم توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، والدفاع عن بيضة الإسلام وأهله وحياضه، وتحريض المسلمين على الجهاد والإعداد، وتيسيرِ وصول السلاحِ إلى الناس، خاصةً الأسلحة الخفيفة ومضادات الدروع كقواذف “الآر بي جي” [46] وألغام الدبابات، وإعلان النفير العام في الأمة استعداداً لصد غدرة الروم التي بدأت في العراق ولا يُعلم أين ستنتهي، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

  • Related Posts

    تركيا في غزة، من الدبلوماسية إلى نشر القوات والبديل للكفار المحاربين

    تركيا في غزة، من الدبلوماسية إلى نشر القوات والبديل للكفار المحاربين تم التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بعد عامين من الجرائم الصارخة التي ارتكبتها الولايات…

    أسئلة يرددها المنصفون والذين يدعمون الإمارة الإسلامية في عصابة الجولاني

    أسئلة يرددها المنصفون والذين يدعمون الإمارة الإسلامية في عصابة الجولاني لماذا اعترفت الولايات المتحدة والغرب بحكومة أبي محمد جولاني أو أحمد الشرع ولكنها لم تعترف بإمارة أفغانستان الإسلامية بعد؟ هل…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    تركيا في غزة، من الدبلوماسية إلى نشر القوات والبديل للكفار المحاربين

    تركيا في غزة، من الدبلوماسية إلى نشر القوات والبديل للكفار المحاربين

    أسئلة يرددها المنصفون والذين يدعمون الإمارة الإسلامية في عصابة الجولاني

    أسئلة يرددها المنصفون والذين يدعمون الإمارة الإسلامية في عصابة الجولاني

    الجولاني: من الصراع على الشريعة إلى الوقوع في فخ العلمانية

    • من alUrduni
    • نوفمبر 4, 2025
    • 10 views
    الجولاني: من الصراع على الشريعة إلى الوقوع في فخ العلمانية

    السوريون ينادون: استيقظوا أهل الإمارات و جزيرة العرب

    • من abuosameh
    • نوفمبر 4, 2025
    • 10 views
    السوريون ينادون: استيقظوا أهل الإمارات  و جزيرة العرب

    علماء الدعوة النجدية في حكومة الجولاني يصمتون صمتاً مخزياً أمام الجرائم التي ترتكب بحق الأمة الإسلامية

    علماء الدعوة النجدية في حكومة الجولاني يصمتون صمتاً مخزياً أمام الجرائم التي ترتكب بحق الأمة الإسلامية

    الإمارات العربية المتحدة المجرمة العلمانية تتحول إلى أداة يتلاعب الكفار المحاربون الأجانب بها في الدول الإسلامية

    الإمارات العربية المتحدة المجرمة العلمانية  تتحول إلى أداة يتلاعب الكفار المحاربون الأجانب بها في الدول الإسلامية