من معركة الطواغيت إلى حرب الهويات: كيف أُفرغت السنّية من جوهرها؟
لم تكن السنية يوما هوية ثقافية أو عنواناً حضاريا تواجه به غيرنا فقط، بل كانت تأويلا عمليا لعقيدة التوحيد، وتجليا واقعيا لموازين الولاء والبراء، وموقفا واضحًا من أنظمة الكفر الطاغوتية. كانت السنية هي المنهج الذي يُقاتل من أجله الطغاة، وتقام به الحجة على الناس، وتُعرض تحت رايته البيعة والانقياد والتنازل والثبات. لكن في زمن التلون والانحطاط، تحولت هذه العقيدة من كيان صلب إلى شعار هلامي، ومن معنى توحيدي راسخ إلى هوية جاهزة يُعباً بها الشارع وتغرر بها الحاضنة لم تعد السنية في الوعي المعاصر تعني: تحكيم شرع الله ورفض الطاغوت، بل صارت تعني أن تكره إيران، وتلعن نصر الله وتسب البغدادي، وتقاتل «القاعدة»، ثم تغض الطرف عن الأميركان، بل تدافع أحيانا عن وكلائهم وتروّج لحلفائهم كطواغيت السعودية والإمارات!
رأينا في سورية، كيف جعلت السنية معركة ضد الشيعي الطائفي ثم الخارجي التكفيري، لا بوصفهم طواغيت يعادون شريعة الله، بل بوصفهم خصوما في معركة الهويات الطائفية، فتضخمت صورة العدو الشيعي» في وعي العوام وكثير من المتشرعة حتى صار هو رمز الكفر كله، ومثله «الخارجي» في نظر المقاتلين الذي صار يعبر عن أي نقد للنظام أو عرقلة للثورة، وفي نفس السياق تقلصت صورة العدو الأميركي أو الروسي أو التركي أو الخليجي إلى تفاصيل سياسية لا يجوز شق الصف بسببها، ولا يُلام القائد على موالاتها. وتمت المزاوجة الهجينة بين خطاب السنية وأمن الحليف الأميركي»، وبين لعن الرافضة والخوارج» و «السكوت عن حماة الطواغيت».
هذا التحول لم يكن عفويا، بل أعيدت صياغته وتغذيته بمؤسسات إعلامية ودعوية تزرع البغض الأعمى بدل الفهم، وتفرغ السنية من جوهرها التوحيدي لتجعلها أداة سياسية في يد السلطة.
لقد انقلبت الأصول وتبدلت الموازين، فصار الولاء يُبنى على موقفك من الشيعة لا من الطاغوت، وصار لعن الإرهاب هو الشرط الكافي لتنال بركة السنية، ولو أنك واليت كل حكام الخليج وتواطأت مع الأميركان والأتراك، وألقيت سلاحك في وجه اليهود وخالفت أصل الدين. وهذا هو الخطر الأكبر: حين يتحول الدين إلى هوية والعقيدة إلى لافتة، فإن الجهاد يمسخ، والولاء يشوه، والشعوب تساق في معارك وهمية بينما العدو الحقيقي يتفرج ضاحكا
📘 مقتطف من کتاب علمانستان(لقمان بنعبدالحکیم) ص64-66
… مروان حدید





