يا أمة الإسلام ؛ سلسلة توجيهات منهجية للشيخ أسامة بن لادن تقبله الله (2-2)

يا أمة الإسلام ؛ سلسلة توجيهات منهجية للشيخ أسامة بن لادن تقبله الله (2-2)

كل من يقعد عن الجهاد بغير عذر وصفه في القرآن ظاهر بيّن، إنّه “الفسق” {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة : 46] ، الذين يرضون بالقعود مع الخوالف؛ هم لا يفقهون, وإن أخذوا أكبر الشهادات من أفضل الجامعات, وهم لايعلمون وإن وجّهت إليهم كل أسئلة الفتاوى, فهذا نص كتاب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ}، هذا ذمٌ شديدٌ جداً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد {رَضُوا} هذا هو الذم، {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة 78].

فمفتي الديار صاحب الكتب والتأليفات والمصنفات الكثيرة هو لا يفقه, لأن العلم ثمرته خشية الله سبحانه وتعالى. قالت تلك المرأة أم سفيان رحمها الله: (يا أيها العالم!)، قال: (إنما العالم من يخشى الله) [14]، فليس العلم هو كثرة الرواية، وإنما العلم هو عبادة الله بما أنزل سبحانه وتعالى والخوف منه وتقواه.

وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى -بعدها في بضع آيات- {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}، لو كانوا يفقهون، وقوي اليقين في قلوبهم؛ أن ما عند الله سبحانه خير لهم من هذه الدنيا, لما ركنوا إليها ولما داهنوا، ولأسرعوا الخطى وتسابقوا في تلك الخيرات إرضاءً لله تعالى.

فأقول ينبغي أن يُشرح للشباب هذه المعاني, وتفك هذه القيود التي تقيدهم من ذلك.

فهذا أخونا أبو العباس [15] طاقة عظيمة – ومثله كثير جداً بالذات في بلادنا وفي بلاد الإسلام, ولكنها تُقيد – ولكنه نفع الله به, وخرج وانفك من ذلك القيد الذي تلبسه, فلما جاء هنا رأى الأمور على حقيقتها, وقال تلك الوصية البليغة لتنبيه الناس من ذلك الوهم, قال: (ما أنتم فيه من طلب للعلم؛ فهذا أمر عظيم, وهذا خير كبير, وجزاكم الله خيراً, أما إذا تعين الجهاد فلا ثمّ لا إذا تعين الجهاد لا يتزاحم معه شيء), يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (إذا تزاحمت الواجبات قُدّم آكدها)، فالناس – وخاصة أبناء الصحوة – فيهم خير كبير وطاقات هائلة, وهم مستعدون للتضحية ولكن من المهم أن يزال عنهم هذا الضباب, وأن يزال عنهم هذا الغبش.

من النصوص الأخرى التي ينبغي الاقتداء بها في مثل هذه الظروف:

هو حديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يصور وضعاً شبيهاً لوضعنا الحالي, فيقول رضي الله عنه: (‏كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر – مخافة أن يدركني [16] – فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) [متفق عليه][17].

فهذا الوضع كما تلاحظون أن العالم الإسلامي انتشر فيه هذا الشر العظيم, وهو أن الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم هم أظهر ما يكونون في حكام المنطقة – حكام العالم العربي والإسلامي – فهم في إعلامهم وأجهزتهم وإفسادهم للبلاد, فهم يدعون الناس عبر تبنيهم للأفكار الهدّامة وعبر تبنيهم للقوانين الوضعية والقوانين الكفرية, فهم يدعون الناس في الصباح والمساء إلى أبواب جهنم – ولاحول ولا قوة إلا بالله – فالكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مرأى ومسمع في الصحف وأجهزة التلفاز, وفي الراديو والندوات, ولاينكر عليهم منكر, فهؤلاء هم الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم.

ما هو الحل إذا حصل مثل هذا؟

فهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه سأل حتى وصل إلى مثل هذه الحاله فقال: (هل بعد ذلك الخير من شر؟ فقال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وقال رضي الله عنه: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟).

هذا كلام واضح بيّن صريح يسأل عن المخرج في مثل هذه الحالة التي نحن نعيش فيها اليوم، فيقول: (ما تأمرني إن أدركني ذلك؟)، فأمره بأمر واحد – رغم كثرة الواجبات وأهميتها – ولكن في مثل هذا الوضع هناك أمرٌ واحد يتقدم على جميع الواجبات الأخرى بعد الإيمان، قال: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟) قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).

فهذا الواجب العظيم الذي هو فرض الساعة لا مكان له بين العلماء اليوم ولا يتحدثون عنه, بل شُغلوا كل واحد منهم – إلا من رحم الله – بالتهليل والمدح للأئمة الطواغيت الذين كفروا بالله ورسوله, فبرقيات تذهب من هؤلاء لمدح هؤلاء الحكام الذين كفروا بالله ورسوله, ويُكفر بالله ورسوله في صحفهم وفي إعلامهم, وبرقيات أخرى من هؤلاء الحكام الذين كفروا إلى هؤلاء العلماء تمدحهم, ودلسوا في ذلك على الأمة!

فالأمة لم تصب من قبل بمثل هذه الكارثة التي أصيبت بها اليوم, كان يحصل خلل ولكنه جزئي, أما الخلل اليوم فهو قد عمّ الناس مع هذه الثورة الإعلامية, وأصبح الإعلام يدخل على كل بيت، فهذه الفتنة ما سلم منها بيت حضر ولا بيت وبر, ما سلم منها أحد، في السابق كان يزِل العالم وتبقى زلته محدودة في مكان معين, ويَفجُر الأمير والحاكم ويبقى فجُوره محدوداً داخل القصر، أما أن يصبح جُل الناس أسرى وظائفهم التي هي لهذا الطاغية، فهذا ما حصل في تاريخ الإسلام قط.

وكلما حصل انحدار وكلما حصل بُعد عن دين الله فهناك تلقائيةً في هذا الدين وفي منهجه القويم المتكامل، يبدأ هناك آخرون في تصحيح المسار ويضحون بأنفسهم, لكن لم يحصل قط أن سواد الأمة وأن الفقهاء والعلماء أسرى وظائف عند الطواغيت!

حدثني بعضهم قال: “نحن لا نستطيع أن نقول الحق, لأننا إذا أردنا أن نقول الحق نفكر في هؤلاء الأطفال الذين في البيت وهؤلاء النساء, أين يذهبون؟ وأين نذهب نحن؟”.

فينبغي على الشباب أن يفهم طبيعة العلاقة اليوم بين موظفي الدولة والحاكم, وكل من هو موظف دولة؛ هو موظف دولة, ولا ينبغي للشباب أن يغضب إذا قلنا؛ إن الشيخ الفلاني هو موظف دولة.

نحن لو عملنا استبياناً أو أي جهة ما قدمت بعمل استبيان للناس, في هذا الاستبيان الاسم والعمر والحالة الاجتماعية والوظيفة؛ “هل أنت موظف حكومي؟ أم حر متكسبب، كما يقال عندنا أو تاجر؟ أو لايوجد عمل أو متقاعد؟”، فماذا سيكتب من هو موظف للدولة؟
فالمدير سيكتب؛ أنا موظف دولة موظف حكومة.
والشرطي سيقول؛ أنا موظف حكومة.
والقضاة سيقولون؛ نحن موظفو حكومة.
وعلماء دار الإفتاء سيقولون؛ نحن موظفو حكومة!

فهناك خلل في فهم الشباب إذا وصفنا هؤلاء بأوصافهم الحقيقية؛ أنهم موظفو حكومة تراه يغضب!
فهذا خلط عجيب وازدواجية عجيبة! أنت ترفض أن ننسبهم إلى هذا الحاكم الطاغية! وهم هذا وصفهم وهذه حقيقتهم.
فطريق الحل طريق واضح جداً جداً بيّن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمور العظام:
1) حلها بالاجتماع للجهاد.
2) حلها بالجماعة والسمع والطاعة والجهاد.
3) حلها تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.

وجماعة المسلمين وإمامه أول واجب عليهم هو؛ دفع الكفر ودفع العدو الصائل، ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [سورة النساء : 84]، فدفع بأس الكفّار هو:
1) بالتحريض.
2) وبالقتال.

فلماذا الناس لا يهتدون؟ لأن على هذا الطريق دعاة إلى أبواب جهنم:
1) الحكام وأجهزتهم يدعون الناس في الليل والنهار يصرفونهم عن هذا الطريق المستقيم.
2) وموظفو الحكومة بعضهم وُظّفوا عيناً للصد عن دين الله.

وظفتهم الدولة بمسميات مختلفة، لكن حقيقة الوظيفة هو موظف يشهد شهادة الزور.
فوزير الإعلام مثلاً مهمته أن يشهد شهادات الزور، هو وجهازه كله، في كل يوم يدلس على الناس, ويظهر أن البلاد هي أفضل بلاد, وأن الحاكم هذا عبقري ليس مثله شيء، وقس على ذلك.

وكذلك وزير الدفاع يدلس على الناس ويشهد شهادات الزور ويقول إننا بخير, وإن قواتنا المسلحة جيدة, ونحن في الحقيقة تحت الاحتلال منذ أكثر من عقد من الزمان! كل العالم يعلم أننا تحت الاحتلال, وأن الطائرات الأمريكية تخرج متى شاءت دون أن تخبر أحداً في الليل أو النهار. ويخرج علينا وزير الدفاع ليقول؛ “نحن مستقلون وليس أحد يستخدم أراضينا بغير إذننا”، فهؤلاء الذين يشهدون شهادة الزور.

وبفضل الله الوعي الذي انتشر في الفترة الأخيرة بين الناس أصبحوا يعرفون ويعلمون أن هؤلاء موظفو حكومة.

لكن الخطر الذي يأتينا ليس من وزير الداخلية وليس من أتباع وزير الداخلية, فهؤلاء مهما فعلوا لا يستطيعوا أن يلبسوا على الناس, فخطر تلبيسهم مكشوف ومعروف لدى العوام أنهم يكذبون عليهم ويخادعونهم، ولكن الخطر الشديد عندما يأتي الكذب والخداع من أئمة الدين الذين هم ما اتقوا الله سبحانه وتعالى, ويشهدون شهادة الزور في الصباح والمساء يضللون الأمة [18].

فكيف إذا كانت شهادة الزور في البيت الحرام, في مكة المكرمة عند الكعبة المشرفة، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((‏أبغض الناس إلى الله ثلاثة)) فذكر أولهم ((ملحد في الحرم)) – هذا كما في صحيح البخاري رحمه الله – فهذا من أعظم الإلحاد في الحرم؛ أن تشهد شهادة الزور تضلل أمة من أجل بضعة دراهم تأخذها في آخر كل شهر.

فلا يختلف أحد في كفر هؤلاء الحكام, وفي فجورهم, وفي إباحتهم للبلاد, وإفسادهم للعباد.
ثم تأتي وتشهد شهادة الزور في ذلك المكان العظيم؛ في البيت الحرام وفي الشهر الحرام! -ولا حول ولا قوة إلا بالله-

وقد قال صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟!))، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الشرك بالله -عافانا الله وإياكم من الشرك- وعقوق الوالدين -وكان متكئاً فجلس فقال- ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور))، فما زال يكررها حتى قال الصحابي: (حتى قلنا؛ ليته سكت) [متفق عليه].

فهذه شهادة الزور، تشهد شهادة زور على شبرٍ من الأرض، هي من أكبر الكبائر في أي بقعة من الأرض تشهدها, فكيف تشهد عند البيت الحرام؟! [19] هذه شهادة الزور في كل جمعة وفي كل مناسبة لتضلل أمة بأسرها, من أجل بضع دراهم – ولا حول ولا قوة إلا بالله – فكم هو إثم هذا الذي يشهد هذه الشهادة!

فهؤلاء موظفو دولة لا يمكن لعاقل أن يرجع إليهم في أمور دينه, فأقل ما يقال فيهم؛ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله للذين يدافعون عن الحكام الطواغيت، قال: (أقل أحوالهم أنهم فسّاق) [20], فهؤلاء أقل أحوالهم أنهم فسّاق. فينبغي للناس أن يقاطعوهم, وأن يهجروهم.

فإنه كما يقول ابن عباس رضي الله عنه في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (‏إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل؛ كان الرجل يلقى الرجل فيقول؛ يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) [رواه أبو داود][21]، فهذا من أول النقص الذي يدخل على الأمة.

فلابد من التباين، فنحن لا نتكلم عن أمور صغائر, وإنما نتكلم عن أكبر الكبائر, الشرك بالله الذي تحكم به البلاد, وموالاة الأعداء الذي هو من نواقض الإسلام [22].

فإذا لم يحصل للشباب هذا الفهم، للأسف؛ تجد شاباً يأتيك مسروراً أنه التقى بالشيخ الفلاني من أئمة الحرم, ما ينبغي أن تبتسم في وجه هذا الفاسق الذي يضلل الأمة بأسرها! فإذا لم يحصل هذا الفهم في الصحوة لن نصل إلى مرادنا لإقامة الحق.

فالتبيين والإيضاح للناس أن الأئمة قد ضلوا؛ هذا أمر في غاية الأهمية , لذلك في الحديث الصحيح عن أبي بكر رضي الله عنه لما سألته المرأة الأحمسية، قالت له: (ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح – هذا الإسلام – الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟) فقال لها: (بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم) [رواه البخاري]، فاستقامة الإمام هي شرط مهم لبقاء الدين.

فالذين يريدون أن يقولوا للناس؛ إن الدين موجود مع أن الإمام قد كفر بالله ورسوله منذ قرنٍ من الزمان, منذ أن أقيم بقوة الإنجليز ووالى الإنجليز وبسلاح الإنجليز وبذهب الإنجليز [23], وعاث في البلاد، وكان من أكبر أسباب سقوط الدولة الإسلامية – الدولة العثمانية – هذا كافر بالله لا يمكن أن يكون مؤمنا، لايبقى الدين حاكماً إذا كفر الإمام.

فهذا الفقه لابد أن يكون واضحاً جلياً, فعندما يكفر الإمام يجب أن ينتفض الناس [24]، لم يعد الإسلام موجوداً, لابد من الحركة لإقامة إمام يقيم في الناس حدود الله سبحانه وتعالى، فقال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).

من الخدع التي يستخدمها الحكام في مخادعة الناس؛ وكأننا قد أظلنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظلتنا الحالة التي يتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يتهم فيها الأمين ويؤتمن الخائن ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويتكلم فيها الرويبضة))، قيل: يا رسول‏ وما الرويبضة‏؟‏ قال: ((السفيه ينطق في أمر العامة)) [25].

فهذا الزمان كما هو ملاحظ من الخدع التي يستخدمها الحكام سواءً حكام العرب وحكام المسلمين أو حكام العالم أجمع.
فمِن أَظهر تلك العلامات أن يتحدث بوش على أن سفاح العصر شارون يسميه بـ “رجل سلام” [26].
وكذلك حكام المنطقة يخادعوننا, ويوالون الكفار, ثم يدعون أنهم ما زالوا على الإسلام.

ومما يزيد في هذا الخداع هو استحداث هيئات غرضها التدليس على الناس. وقد يستغرب الناس عندما نتحدث عن أن بعض الهيئات المنتسبة إلى الشرع والمنتسبة إلى الفقه وإلى العلم أنها تقوم بهذا الدور – من حيث تدري أو لا تدري – فغرض النظام من إظهار بعض العلماء على شاشات التلفاز وعبر محطات الإذاعات لإفتاء الناس, ليس هذا هو الغرض الأساس لهذه المهمة, ولو كان كذلك لظهر الصادقون من العلماء على شاشات المحطات المحلية وغيرها, وعلى المحطات الإذاعية المحلية, ولكن الغرض أن هذه الهيئات لها مهمة في الظروف الحرجة وفي ساعات الصفر.

كما رأينا من قبل عندما والى النظام القوات الأمريكية الصليبية وأدخلها إلى بلاد الحرمين, وضج الناس وضج الشباب, فكان صمّام الأمان للناس أن هذه الهيئة وأمثالها صدّرت فتاوى بإلحاق الإجازة لتصرف الحاكم وَسمّوه بـ “ولي الأمر” – وما هو للمسلمين بولي أمر على الحقيقة – فينبغي الانتباه إلى ذلك.

وقد يتعجب الناس؛ هل يعقل أن هذا الشيخ فلان أو ذلك على جلالة قدره في العلم, ورغم كبر سنه, هل يعقل أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؟!
أقول؛ إن الإنسان ليس بمعصوم [27], وإذا نظرنا في تاريخنا وفي تاريخ العالم الإسلامي عبر القرون الماضية فنجد أن هذه الحالات تتكرر.
وسأذكر مثالاً أو مثالين ليعي الناس هذا الأمر:

1) فقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في سيَره, ذكر سيرةَ علي بن المديني رحمه الله – انظر إلى مقدمة تلك السيرة – وقال: (علي بن المديني… أمير المؤمنين في الحديث) [سير أعلام النبلاء: 11/41]، وذكره ووصفه ومدحه وذكر أن الناس في علم الحديث عالة عليه, ولكن من باب الإنصاف مع جلالة قدر علي بن المديني – وإذا ذكر لا يذكر علماؤنا في هذا العلم بجواره – ولكنه مع ذلك زل زلةً شديدة عندما تعرض لخدمة السلطان, وعندما ضغط عليه أمراء بني العباس وافقهم بضد ما يعتقد, وفي ضد ما كان يُدَرّس, وافقهم في تلك الفتنة المضلة الفظيعة [28].

2) وكذلك شيخ المؤمنين في الحديث يحيى بن معين رحمه الله [29] زل نفس الزلة.

وكثير من العلماء في ذلك العصر زلوا هذه الزلة, نتيجة للتهديد بالضرب والسجن, وقد يصل إلى القتل, وما ثبت إلا عدد يسير كما تعلمون كان منهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فينبغي التنبه لذلك, واقرأوا هذه السيرة لتروا ولتعتبروا بحال الناس.

وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)) [رواه الإمام أحمد]، هذا إذا كان القاضي غضبان فينبغي عليه أن لا يقضي بين اثنين، فكيف إذا كان خائفاً؟ والخوف أشد وقعاً على النفوس من الغضب كما يقول ابن القيم رحمه الله : (فمن قصر النهي على الغضب وحده، دون الهم المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمأ الشديد، وشغل القلب المانع من الفهم، فقد قل فقهه وفهمه) [إعلام الموقعين ج1 ص 207-208].

فالناس في بلادنا خائفون من أن يقولوا كلمة الحق, فينبغي التنبه. وقد صرّحوا لنا مراراً كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان عن الخوف الذي يخشونه فيما لو صدعوا بالحق, وقد حدثت من قبل أن أحد كبار العلماء في هيئة كبار العلماء حدثني عندما كنّا نقول لهم: “إنه ينبغي إصدار فتوى بوجوب الإعداد, على التسليم فرضاً بقولكم أن وجود الأمريكان في البلاد ضرورة”, فاعتذر عن إصدار فتوى مع تصريحه في المجلس بأنه حق, وأنه لابد من أن يكون العمل للجهاد في البلاد على أبناء البلاد وأن يخرج الأمريكان, قال: (لكن الدولة لا توافق لنا بهذا), ولمّا قلنا له: “حاولوا عبر هيئة كبار العلماء أن تستصدروا فتوى بذلك, فقال كلاماً وأنا أشكر له مصارحته لي, قال ليس في نظامنا في قانون هيئة كبار العلماء”، قال: (لسنا نحن الذين نبحث القضية ونصدر فيها فتوى، وإنما تصدر الفتاوى في المسائل التي تحال إلينا من المقام السامي) [30] – على حد تعبيره –

فينبغي للناس أن تعي هذا الأمر، فإذا استمر هذا الخلط ولم يتميز الولاء للمؤمنين وللدين, ولم يتميز البراء والبراءة من الشرك والإلحاد, فلن نجد السبيل الذي نصل به إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، فهذا أمر في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة. وينبغي على الصادقين من العلماء وطلبة العلم والدعاة أن يوضحوه للناس وللشباب, حتى لا يلتبس عليهم الأمر.

فالنظام كما أنه استحدث وزارة الإعلام مهمتها التدليس على الناس,كذلك هو فرّغ ميزانية ضخمة لهذه الهيئات التي تنتسب إلى الإسلام, مهمتها أن تعطي الشرعية للنظام وأن النظام على حق.

فحتى تتصوروا المسألة, تصور أن مبنى هيئة كبار العلماء هو ملحق بالقصر الملكي, وتصور أن دار الإفتاء في الأزهر هي ملحقة بالقصر الجمهوري التابع لحسني مبارك [31], ودار الإفتاء في بلاد الحرمين ملحقة بقصر الملك، فهل تذهب وتسأل هذا الرجل الموظف الذي يتقاضى راتباً من الملك, تسأله عن حكم الملك؟ وهل الملك فعلاً والى الكفار؟! وهل الولاء للكفار ناقض من نواقض الإسلام؟! هذه المسائل واضحة بينة وإن التبس على بعض الناس لقلة علمهم، فيُرجع بها إلى الصادقين، فلا تذهب تسأل موظفاً عند الملك عن حكم الملك!

فهؤلاء كما ذكرت لا يقاسون بعلي بن المديني رحمه الله ولا يقاسون بيحيى بن معين رحمه الله، ومع ذلك كمٌ هائل غفير الذين زلّوا عندما ضغط عليهم السلطان.

فلنأخذ بكلام الإمام علي رضي الله عنه عندما قال للحارث: (يا حارث! إنه ملبوسٌ عليك, لا يُعرف الحق بالرجال, اعرف الحق تعرف أهله) [32].

فهذه المسألة حاصل فيها – للأسف – تقليد كبير, كثير من الشباب يقلدون أمرهم لبعض موظفي الدولة, وهؤلاء يوضع عليهم عباءه ويعطون أسماء كبيرة، وهم في الحقيقة موظفون للدولة، عن علم أضلهم الله سبحانه عن علم, ففي كتبهم, وتعلمنا من كتبهم؛ أن من نواقض الإسلام العشرة موالاة الكافرين [33]، ويصارحوننا في مجالسهم الخاصة, ولكن يخافون ويتأولون كما تأول يحيى بن معين رحمه الله فينبغي التنبه لذلك.

  • Related Posts

    کیف رد أمیر إﻣﺎرة أﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ علی المحکمة الدولیة؟

    “الدين لله والوطن للجميع”… عبارة شركية، عبارة كفرية.

    الضّالّ المضلّ المنحرف المفسد الجولانيّ(أحمد حسين الشّرع) يرسل صورةً كهديّةٍ منه مكتوب عليها: الدّين للّه والوطن للجميع!!!. إن الفرق واضح بين السياسة الشرعية المثالية الواقعية المستندة إلى حاكمية الله «إِنِ…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    يا أمة الإسلام ؛ سلسلة توجيهات منهجية للشيخ أسامة بن لادن تقبله الله (2-2)

    • من admin
    • نوفمبر 10, 2025
    • 3 views
    يا أمة الإسلام ؛ سلسلة توجيهات منهجية  للشيخ أسامة بن لادن تقبله الله (2-2)

    رئيس الموساد السابق يتباهى بتظيم شبكة إرهابية عالمية

    رئيس الموساد السابق  يتباهى بتظيم شبكة إرهابية عالمية

    الجولاني يلاحق أعداء سوريا

    الجولاني يلاحق أعداء سوريا

    من السيسي في مصر إلى أحمد الشرع في سوريا: الاسم يختلف والحقيقة واحدة

    • من abuosameh
    • نوفمبر 10, 2025
    • 3 views
    من السيسي في مصر إلى أحمد الشرع في سوريا: الاسم يختلف والحقيقة واحدة

    التحالف لمحاربة داعش أم الذريعة لقمع التيارات الإسلامية؟

    التحالف لمحاربة داعش أم الذريعة لقمع التيارات الإسلامية؟

    الولايات المتحدة تريد مكافحة تهريب المخدرات أم تحاول الاستيلاء على النفط الفنزويلي؟ (2)

    • من abuaamer
    • نوفمبر 9, 2025
    • 6 views
    الولايات المتحدة تريد مكافحة تهريب المخدرات أم تحاول الاستيلاء على النفط الفنزويلي؟ (2)