السلام الذي يفرض على أوكرانيا ليس سلاما، بل هزيمة خفية للولايات المتحدة والغرب (1)
قلنا مرات عديدة إن الولايات المتحدة دولة غادرة لا تلتزم بعهد أو ميثاق وتخون أقرب أصدقائها وتعرضهم للبيع والتبادل. إن استدعت الحاجة. يجب أن ينتظر أمثال الجولاني وزلنسكي في أوكرانيا وكرزاي وغني في أفغانستان وزين العابدين في تونس وحسني مبارك في مصر وغيرهم هذا المصير.
فيما يخص بالشؤون الأوكرانية، لا يزال الخبراء المستقلون يعلقون على ما يسمى «خطة ترامب للسلام السلام» لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا حيث يعتقد معظمهم أن السلام الذي يفرض على كييف ليس سلاماً، بل هو هزيمة خفية للولايات المتحدة والغرب.نقدم هنا لقرائنا تحليلا للظروف السائدة والآفاق التي ستواجهها أوكرانيا والغرب كله. التحليل من إعداد كاتب عمود دائم في صحيفة Dose Quotidienne الفرنسية البحثية ماكسيم ماركت،.
تشريح الخيانة
تكون خطة ترامب لأوكرانيا التي طرحها في نوفمبر 2025 نمط من أنماط الدبلوماسية المتشائمة. اقترح الرئيس الأمريكي هذه الخطة التي تعرف بمعاهدة سلام واقعية ولكنها فغي جوهرها ديكتاتورية مفروضة على كييف بتهديد قطع المساعدات الأمريكية. تعكرر هذه الوثيقة التي بدأت بـ28 بندا ثم انخفضت إلى 19 بندا المطالب الروسية الأساسية التي صيغت منذ 2014.
أول تنازل كبير: يجب على أوكرانيا مغادرة كريمة بشكل دائم التي ضمتها روسيه إليها بشكل غير شرعية في عام 2014 بحيث اعتبرت هذه الجزيرة الاستراتيجية التي تحتوي قاعدة سيفاستوبول البحرية وتسيطر على الوصول إلى البحر الأسود بشكل رسمي منطقة روسية.
التنازل الثاني: سوف تكون دونباس أي دونيتسك ولوهانسك أيضا تحت سيطرة روسيا بشكل دائم وتفصل هذه الأراضي التي تجري فيها عمليات عسكرية منخفضة الشدة منذ 2014 عن أوكرانيا.
التنازل الثالث: سيغلق الخط الأمامي الحالي في خيرسون وزابوريجيا ويقسم هذه المناطق وتبقى المناطق المحتلة تحت سيطرة روسيا، بينما تحتفظ المناطق التي تسيطر عليها أوكرانيا بسيادتها نظريا. بحيث تفقد أوكرانيا حوالي 20% من مناطقها أو أكثر من 120 ألف كيلومتر مربع. هذا يعادل مساحة إنجلترا وويلز معا وتبقى الأراضي الخصبة والموارد المعدنية والبنية التحتية الصناعية وأهم من ذلك ملايين المواطنين الأوكرانيين تحت الاحتلال الروسي.
أما التنازلات الأرضية فهي مجرد البداية. تفرض خطة ترامب أيضا حيادا دستوريا على أوكرانيا. يعني هذا أن كييف يجب أن تعدل دستورها لتمنع الانضمام إلى النيتو أو أي تحالف عسكري آخر ويتعهد النيتو بدوره ألا ينشر قوات في المناكق الأوكرانيية.
يحول هذا البند أوكرانيا إلى منطقة عازلة بين الغرب وروسيا وهو ما طلبه بوتين قبل الهجوم بالضبط، كما تطلب الخطة تقييدا على القوات المسلحة الأوكرانية وينحصر الجيش الأوكرانيي بين 600 ألف و800 ألف جندي.
قد يبدو هذا العدد كبيرا ولكن عدد العسكريين لا يكفي للدفاع عن بلد بحجم أوكرانيا أمام روسيا التي تحتفظ بقواتها. بالإضافة إلى ذلك تفرض قيود على أنواع الأسلحة التي قد تملكها أوكرانيا خاصة الصواريخ بعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.
تحصل أوكرانيا مقابل هذه التنازلات العظيمة على ضمانات أمنية غامضة. تشير الخطة إلى إنشاء مجلس للسلام يتكون من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا ودول أوروبية. ويشرف هذا المجلس على تنفيذ الاتفاق ويتدخل في حال انتهاكه. ولكنه لم يقدم أي آلية تنفيذية ولا يوجد ضمان عسكري تلقائي ولا يوجد تعهد حاسم للدفاع عن أوكرانيا إن تجاوزت روسيا. هذه وعود فارغة وكلمات لا جدوى .
رأينا هذا السيناريو مع مذكرة بودابست 1994 إذ تخلت أوكرانيا عن مخزونها النووي مقابل ضمانات أمنية. كانت هذه الضمانات بلا قيمة عند هجوم روسيا في عام 2014 ومرة أخرى في عام 2022.
الكاتب: أبو عامر (خالد الحموي)




