السلام الذي يُفرَض على أوكرانيا ليس سلامًا، بل هزيمة خفيّة للولایات المتحدة والغرب (2)
لم يقترح ترامب خطته كخيار، بل فرضها على كييف بعد تهديد واضح بالتخلي عن دعم أوكرانيا إذ أوضحت إدارة ترامب لكييف أنه إذا رفض الرئيس زيلينسكي هذه الخطة سوف تقطع المساعدات الأمريكية فورًا دون استئناف.
هذا ابتزاز صريح. تستخدم الولايات المتحدة التي قدمت الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ 2022 هذه التبعية لإجبار كييف على قبول شروط مرفوضة. فالرسالة واضحة: اقبل الهزيمة وإلا نتركك وحدك. هذا النهج التجاري نموذج أمريكي خالص.
ترى الولايات المتحدة السياسة الخارجية مجموعة من صفقات تجارية يجب أن يكسب فيها الجميع شيئًا. قد يجهل ترامب أو لا يريد أن يدرك أن هناك مبادئ لا يفاوَض عليها وليت سيادة الدولة سلعة تُباع وتشترى وأن العدوان لا يجوز تشجيعه إذ يريد ترامب التخلص من مشكلة أوكرانيا ليركز على ما يراه التهديد الحقيقي، أي الصين.
يرى الرئيس الأمريكي أوكرانيا شيئا مكلفًا وعبئًا يجب التخلص منه على جناح السرعة. لا تهم التكلفة أوكرانيا ولا تهم النتائج الجيوسياسية ولا تهم مصداقية الولايات المتحدة والمهم هو إعلان معاهدة سلام وإعلان انتصار دبلوماسي ثم الانتقال إلى شيء آخر. هذا الرءية قصيرة المدى كارثية لأنها تتجاهل دروس التاريخ.إن استسلمت دولة أمام المعتدي، فهي تجشع شجّعته على العدوان أكثر. (وهذا ما نراه الآن في سوريا الجولاني أمام اعتداءات الكيان الصهيوني وأمريكا وتركيا).
ومن جهة أخرى وجدت أوروبا نفسها في موقف محرج. تعلم الدول الأوروبية أن خطة ترامب استسلام خفي وتعلم أن الاستسلام يخلق سابقة خطيرة ولكنها تعي أيضًا تبعيتها الأمنية للولايات المتحدة.
تكون أوروبا جوت الحماية العسكرية الأمريكية عاجرة وتفتقر إلى القدرات العسكرية والرغبة السياسية للدفاع عن أوكرانيا بمفردها. إذن ارتبك الدول الأوروبية واقترحت تعديلات على خطة ترامب وحاولت تخفيفها على الهامش وطالبت برفع عدد القوات الأوكرانية المسموح بها من 600 ألف إلى 800 ألف.
يصر زلينسكي على أن المفاوضات عن المناطق يجب أن تجري بعد وقف إطلاق النار لا قبله ويطالب بضمانات أمنية قوية ولكن هذه المطالبات مجرد تعديلات شكلية وبقي جوهر الخطة كما هو أي يجب على أوكرانيا أن تتنازل عن مناطقها وتتخلى عن النيتو وتقبل قيودًا على سيادتها. ثم تفتقر أوروبا إلى الشجاعة لمواجهة واشنطن علانية وتحتاج إلى القدرة على تقديم بديل حقيقي. إذن استسلمت الدول الأوروبية وهي تأمل أن تقلل الضرر بينما تعلم في قرارة نفسها أنها تشارك في خيانة تاريخية حيث واسى القادة الأوروبيون أنفسهم بأنه لا خيار وهذا أقل الشرور ولكن هذا كذب يقولونه لأنفسهم.
كان الخيار الوقوف بحزم ومواصلة دعم أوكرانيا حتى تتمكن من التفاوض من موقع قوة وكان الخيار بناء استقلال استراتيجي حقيقي لأوروبا ولكن هذا الخيار يحتاج إلى شجاعة ورؤية وتضحية ولكن أوروبا لم تعد تمتلك هذه القوة، فتفضل راحة الاستسلام على شجاعة المقاومة.
الكاتب: أبو عامر (خالد الحموي)




