“رسالة مفتوحة إلى ابن باز ببطلان فتواه بالصلح مع اليهود” للشیخ اسامة بن لادن تقبله الله
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ ابن باز – حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحمد الله إليكم الذي أنزل الكتاب آيات بينات، ورفع الذين أوتوا العلم درجات، وأخذ عليهم ميثاقًا بالصدع بالحق وبيانه وحذرهم من المداهنة فيه وكتمانه. والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد القائل: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” [حديثٌ صحيح أخرجه الإمام أحمد والطبراني وابن ماجه والبيهقي]
وبعد …
فإن من المعلوم لديكم ما حبا الله به أهل العلم من منزلة عظيمة، وأعطاهم من مكانة كريمة، ولا غرو في ذلك، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم هذا الدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتمييع الظالمين المسرفين، ويمثلون القدوة الحسنة والأسوة المثلى للأمة في النهوض بأعباء الانتصار للحق وإيثاره على ما عند الخلق.
وقد قام العلماء الصادقون من سلف الأمة وخلفها خير قيام بهذه المهمات، وما وقوف سعيد بن جبير في وجه طغيان الحجاج صادعاً بالحق، وتحدي الإمام أحمد بن حنبل لجبروت الحكم والسلطان وصبره في فتنة الخلق بالقرآن، وتحمل ابن تيمية وحسن بلائه في السجن انتصارًا للسُنّة، إلا نماذج من القيام بواجب النُّصرة للحق وأهله، قام بها هؤلاء الأئمة الأعلام انتصارًأ للحق و غيرة على الدين، رحمهم الله جميعاً.
فضيلة الشيخ:
لقد أردنا من ذكر ما سبق تذكيركم بواجبكم تجاه الدين، وتجاه الأمة وتنبيهكم إلى مسئوليتكم العظيمة، فإن الذكرى تنفع المؤمنين .. أردنا تذكيركم في هذا الوقت الذي انتفش فيه الباطل، وعربد المبطلون المضلون، ووئد الحق، وسجن الدعاة، وأسكت المصلحون، والأغرب أن ذلك لم يتم بعد بعلم منكم وسكوت فقط، بل مُرر على ظهر فتاواكم ومواقفكم، ونحن سنذكركم – فضيلة الشيخ – ببعض هذه الفتاوى والمواقف التي قد لا تلقون لها بالاً، مع أنها قد تهوي بها الأُمَّة سبعين خريفاً في الضلال، كي تدركوا معنا ولو جانباً من خطورة هذا الأمر والآثار السيئة المترتبة عليه.
وإليكم بعض الأمثلة:
– إن مما لا يخفى على أحد المدى الذي وصل إليه انتشار الفساد العارم والذي شمل كافة نواحي الحياة حيث فشت منكرات المختلفة التي لم تعد تخفى على أحد، كما فصلت «مذكرة النصيحة» التي تقدم بها نُخبة من العلماء ودعاة الإصلاح، وكان من أخطر ما بينوا هو الشرك بالله المتمثل في التشريع وسن القوانين الوضعية التي تستبيح المحرمات والتي من أشنعها التعامل بالربا المتفشي ففي البلاد، وذلك من خلال مؤسسات الدولة وبنوكها الربوية التي تزاحم أبراجها مآذن الحرمين، وتعج بها البلاد طولها وعرضها.
ومما هو معلومٌ بالضرورة أن الأنظمة والقوانين الربوية التي تتعامل بها هذه البنوك والمؤسسات مُشَرَّعَةٌ من قِبَل النظام الحاكم ومصدق عليها منه، ومع ذلك لم نسمع منكم إلا أن تعاطي الربا حرام لا يجوز، غير مكترثين بما في كلامكم هذا من التلبيس على الناس، بعدم التفريق بين حكم من يتعاطى الربا فقط، وحكم من يشرع الربا ويقننه. مع أن الفرق بينهما واضح كبير، فمتعاطي الربا مرتكب لموبقة من أكبر الموبقات، أما مشرع الربا فهو مرتد كافر كفراً مخرجاً من المِلة بعمله هذا، لأنه جعل من نفسه نداً لله وشريكاً له في التحليل والتحريم – وهذا ما فصلناه في بحثٍ مستقل سينشر قريباً إن شاء الله. ومع أن متعاطي الربا غير المنتهي عنه قد أعلن الله ورسوله عليه الحرب {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فما زلنا نسمع منكم عبارات الثناء والإطراء لهذا النظام الذي لم يكتف بالإدمان على تعاطي الربا فقط، بل شرعه وقننه وأباحه، وقد قال – صلى الله عليه وسلم: “الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه” [صحيح ورواه الحاكم] .
وقد قال ابن عباس -رضي الله عنه-: “فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.” [رواه بن جرير بسنده عن ابن عبّاس] هذا فيمن يتعاطى الربا؛ فما بالكم بمن يُحلل ويُشَرِّع الربا؟ إن ما تتخبط فيه البلاد من أزماتٍ اقتصادية وسياسية وما انتشر فيها من الجرائم بشتى أنواعها، وبشكل مذهل ما
هو إلا عقوبة من الله، وجزء من الحرب التي أعلنها سبحانه على من لم ينته عن تعاطي الربا ونحوه من المنكرات والمحق الذي حكم به على الربا {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} .
– وحينما عَلَّقَ الملك الصليب على صدره، وظهر به أمام العالم فرحاً مسروراً، تأولتم فعله، وسوغتموه مع شناعته وفظاعته، رغم وضوح أن هذا الفعل كُفر، والظاهر من حال فاعله الرضا والاختيار عن علم.
– ولما قررت قوات التحالف الصليبية واليهودية الغازية في حرب الخليج – بتواطؤ مع النظام – احتلال البلاد باسم تحرير الكويت سوَّغتم ذلك بفتوى متعسفة بررت هذا العمل الشنيع الذي أهان عزة الأُمَّة ولطخ كرامتها، ودنس مقدساتها معتبرة ذلك من باب الاستعانة بالكافر عند الضرورة، مهملة قيود هذه الاستعانة، وضوابط الضرورة المعتبرة.
– ولما قام النظام السعودي الحاكم بمساعدة ودعم رؤوس الردّة الاشتراكية الشيوعية في اليمن، ضدَّ الشعب اليمني المسلم في الحرب الأخيرة التزمتم الصمت، ثمَّ لما دارت الدائرة على هؤلاء الشيوعيين أصدرتم – وبإيعازٍ من هذا النظام – «نصيحة!!» تدعو الجميع إلى التصالح والتصافح باعتبارهم مسلمين، موهمةً أن الشيوعيين مسلمون يجب حقن دماءهم، فمتى كان الشيوعيون مسلمين؟ ألستم أنتم الذين أفتيتم سابقاً بردتهم ووجوب قتالهم في أفغانستان، أم أن هناك فرقاً بين الشيوعيين اليمنيين والشيوعيين الأفغان؟ فهل ضاعت مفاهيم العقيدة وضوابط التوحيد واختلطت إلى هذا الحد؟
وما زال هذا النظام يؤوي أئمة الكفر هؤلاء في مختلف مدن البلاد ولم نسمع لكم نكيراً، وقد قال – صلى الله عليه وسلم: – صلى الله عليه وسلم: “لعن الله من آوى محدثاً” [رواه مسلم] .
– وحينما قرر النظام البطش بالشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي، اللذين صدعا بالحق وتحملا في الله الأذى، استصدر منكم فتوى سوغ بها كل ما تعرض ويتعرض له الشيخان ومن معهما من دعاة ومشائخ وشباب الأمة من البطش والتنكيل .. فك الله أسرهم ورفع عنهم ظلم الظالمين.
هذه بعض الأمثلة التي لم نقصد منها الحصر ولكن اقتضى المقام ذكرها ونحن بين يدي فتواكم الأخيرة بشأن ما يُسمّى بهتاناً بالسلام مع اليهود والتي كانت فاجعةً للمسلمين، حيث استجبتم للرغبة السياسية للنظام لما قرر إظهار ما كان يضمره من قبل، من الدخول في هذه المهزلة الاستسلامية مع اليهود، فأصدرتم فتوى تبيح السلام مطلقاً مقيداً مع اليهود فما كان من رئيس وزراء العدو الصهيوني وبرلمانه إلا أن صفقوا لها وأشادوا بها، كما أعلن النظام السعودي عقبها عن نيته في تنفيذ المزيد من التطبيع مع اليهود.
وكأنكم لم تكتفوا بإباحة بلاد الحرمين الشريفين لقوات الاحتلال اليهودية والصليبية، حتى أدخلتم ثالث الحرمين في المصيبة بإضفائكم الشرعية على صكوك الاستسلام التي يوقعها الخونة والجبناء من طواغيت العرب مع اليهود إن هذا الكلام خطيرٌ كبير، وطامة عامة لما فيه من التدليس على الناس والتلبيس على الأمة من عدة جوانب منها:
1. إن العدو اليهودي الحالي ليس إلا عدواً مستقراً في بلاده الأصلية محارباً من الخارج حتى يجوز معه الصلح، بل هو عدوٌ صائل مُفسدٌ للدين والدنيا، وعليه ينطبق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم.” ا. هـ. [الاختيارات الفقهية صـ 309 – 310] .
إن الواجب الشرعي تجاه فلسطين وإخواننا الفلسطينين من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، هو الجهاد في سبيل الله وتحريض الأُمَّة عليه حتى تتحرر فلسطين عن أخرها وتعود إلى السيادة الإسلامية.
وفلسطين في غِنى عن مثل هذه الفتاوى المخذلة عن الجهاد والمخلدة إلى الأرض، هذه الفتاوى التي تقر احتلال العدو لأقدس مقدسات المسلمين بعد الحرمين الشريفين، وتُضفي الشرعية عليه، وتدعم بكل قوة مساعي العدو لضرب الجهود الإسلامية المتلهفة لتحرير فلسطين عن طريق الجهاد الذي أكد من خلال عمليات أبطال الحجارة وشباب الجهاد المسلم في فلسطين أنه السبيل الوحيد الناجع في مواجهة العدو والكفيل بتحرير الأرض إن شاء الله.
ونذكركم هنا بفتواكم السابقة في هذا الشأن، لما سئلتم عن السبيل لتحرير فلسطين، فقلتم أنه: “لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم.” ا. هـ. [مجموعة فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز 1/ 281] .
2. هَب أن هذا العدو اليهودي عدوٌ يجوز الصلح معه وتوفرت فيه الشروط، فهل ما تقوم به الأنظمة والحكومات الطاغوتية العربية الانهزامية مع اليهود من سلامٍ كاذب مزعوم يعتبر سلاماً تجوز إقامته مع العدو؟
الكل يدرك أنه ليس كذلك فهذا لسلام المزعوم الذي يتهافت فيه المتهافتون الآن من الحكام والطواغيت مع اليهود ما هو إلا خيانةٌ كبرى تتمثل في توقيع صكوك استسلام وتسليم للقدس وفلسطين كلها من قبل هذه الحكومات لليهود، والاعتراف بسيادتهم عليها إلى الأبد.
3. إن هؤلاء الحكام المرتدين المحاربين لله ورسوله لا شرعيةَ لهم ولا ولايةَ لهم على المسلمين وليس لهم النظر في مصالح الأُمَّة، ولكنكم بفتواكم هذه تعطون الشرعية لهذه الأنظمة العَلمانية وتعترفون بولايتها على المسلمين، وهذا ما
يتناقض مع ما عُرِفَ عنكم من تكفيرها في في السابق، وقد بَيَّنَ لكم ذلك نُخبةٌ من العلماء والدعاة في مناشدتهم إياكم سابقاً بالامتناع عن هذه الفتوى، وسنرفق لكم صورة من تلك المناشدة تذكيراً لكم وتنبيهاً.
إن فتواكم هذه كانت تلبيساً على الناس لما فيها من إجمال مخل وتعميم مضل، فهي لا تصلح فتوى في حكم سلامٍ منصف، فضلاً عن هذا السلام المزيف مع اليهود الذي هو خيانةٌ عُظمى للإسلام والمسلمين، لا يقرها مسلم عادي فضلاً عن عالمٍ مثلكم يفترض فيه من الغيرة على المِلة والأُمَّة. إن الواجب فيمن يتصدى للفتوى في قضايا الأُمَّة الخطيرة الكبيرة، أن يكون على علم بأبعادها وما قد يترتب عليها من أضرار وأخطار، لأن العلم بذلك من شروط المفتي التي لا غنى عنها. يقول الإمام ابن القيم: “ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علمًا، والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكمه في كتابه وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.” ا. هـ. [إعلام الموقعين 1/ 87] .
وإذا كانت الشروط لازمة للفتوى بصورة عامة، فإنها تتأكد في الفتوى فيما يتعلق بالجهاد والصلح ونحوه. يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: “والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون الذي يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين، فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا.” [الاختيارات الفقهية صـ 311] .
إن الفتاوى السابقة لو صدرت عن غيركم لقيل بتعمد صاحبها ما تتضمنه من الباطل، ويترتب عليها من أثار وأخطار، ولكنها لما صدرت منكم تعين أن يكون سبب الخلل فيها غير ذلك من الأسباب التي لا ترجع إلى نقص علمكم الشرعي، ولكن لعدم إدراك حقيقة الواقع، وما يترتب على مثل هذه الفتاوى من أثار، مما يجعل الفتوى حينئذ غير مستوفاة الشروط ومن ثم لا يصح إطلاقها، مما يحتم على المفتي عندئذ أن يتوقف عن الفتوى أو يحيلها حينئذ على المختصين الجامعين بين العلم بالحكم الشرعي والعلم بحقيقة الواقع. وقد ثبت أن الإمام أحمد بن حنبل كان يتوقف في كثير من المسائل، وقد كان الإمام مالك إذا سئل عن القراءات أحال إلى الإمام نافع رحمهم الله جميعًا.
فضيلة الشيخ:
إن إشفاقنا البالغ على حال الأُمَّة والعلماء من أمثالكم هو الذي دفعنا لتذكيركم، فإننا نربأ بكم وبأمثالكم عن أن يستغلكم النظام الحاكم هذا الاستغلال الفظيع ويرمي بكم في وجه كل داعية ومصلح، ويسكت بفتاواكم ومواقفكم كل كلمة حق ودعوة صدق، كما حدث عند ردكم على «مذكرة النصيحة» و «لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» وغيرها.
فضيلة الشيخ:
لقد تقدمت بكم السن، وقد كانت لكم أياد بيضاء في خدمة الإسلام سابقاً، فاتقوا الله وابتعدوا عن هؤلاء الطواغيت والظلمة الذين أعلنوا الحرب على الله ورسوله، وكونوا مع الصادقين، وإن لكم في سَلَف الأُمَّة وخلفها الصالح أسوةٌ حسنة فقد كان من أبرز سمات العلماء الصادقين الابتعاد عن السلاطين؛ فقد فَرَّ الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – وغيره من العمل مع حكام عصره على رغم استقامتهم الكبيرة على الدين، إذا ما قورنوا مع حكام اليوم الذين لا يخفى ما هم عليه من فساد الدين وسوء الحال. وفي زماننا هذا، حينما أدرك العلامة الشيخ عبدالله بن حميد – رحمه الله – خطورة المسار الذي يمضي فيه النظام السعودي الحاكم وما يترتب عليه من خطر وضرر لمن يشاركه أو يختلط به آثر الفرار بدينه واستقال من رئاسة مجلس القضاء الأعلى. وقد قال الإمام الخطابي – رحمه الله – في التحذير من الدخول على هؤلاء الحكام: “ليت شعري من الذي يدخل عليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ومن الذي ينصح ومن الذي ينتصح منهم.” وقد صحَّ الحديث: “من أتى أبواب السلطان افتتن” فاحذروا فضيلة الشيخ الركون إلى هؤلاء بقولٍ أو عمل {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} إن من لم يستطع الجهر بالحق والصدع به فلا أقل من أن يمتنع من الجهر بغير الحق، قال – صلى الله عليه وسلم: “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”
وأخيراً:
نرجو أن لا تجدوا في أنفسكم من هذا الكلام وتعتبروه خارجاً عن آداب النصح وما تقتضيه من إسرار وعدم إشهار فالأمر جلل خطير ومهم كبير لا يسوغ عنه السكوت، ولا يجوز عنه التغاضي.
وما ذكرناه معلومٌ لدى أهل العلم، وقد سبقنا إلى تنبيهكم عليه نخبة من علماء ودعاة الأُمَّة، حيث تقدموا لكم بمناشدات عدة في هذا الصدد منها مناشدتهم إياكم قبل مدة بالامتناع عن الفتوى بجواز هذا السلام الاستسلامي المزعوم مع اليهود، مبينين عدم استيفائه للشروط اللازمة شرعاً، محذرين من المخاطر الجمة الدينية والدنيوية المترتبة عليه، ومن الموقعين على تلك المناشدة الشيوخ الأفاضل؛ ابن جبرين، عبدالله القعود، حمود التويجري، حمود الشعيبي، البراك، العودة، الخضيري، الطريري، الدبيان، عبدالله التويجري، عبدالله الجلالي، عائض القرني … وغيرهم كثير. وفي حرب اليمن الأخيرة لما صدر منكم الكلام المشار إليه سابقاً أصدر خمسةٌ وعشرون عالماً فتوى معارضة له مبينة الصواب الشرعي في المسألة، ومن هؤلاء العلماء الأفاضل؛ المسعري، الشعيبي، الجلالي، العودة، الحوالي، العمر، اليحيى، التويجري .. وغيرهم كثير.
وفي الختام:
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرنا لباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يبرم لهذه الأُمَّة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويحكم فيه بالعدل ويصدع فيه بالحق، وتعلو فيه راية الجهاد خفاقة، لتستعيد الأمة عزتها وكرامتها، وترفع راية التوحيد فيه من جديد فوق كل أرض إسلامية سليبة .. ابتداء بفلسطين ووصولاً إلى الأندلس وغيرها من بلاد الإسلام الضائعة بسبب خيانات الحكام وتخاذل المسلمين.
كما نسأله تعالى أن يولي أمورنا خيارنا ويصرف عنا شرارنا، ونسأله السداد في القول والصواب في العمل والتوفيق لما يحبه ويرضاه في الحياة وحسن الختام عند الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عنهم؛ أسامة بن محمد بن لادن
التاريخ: 27/ 07/1415 هـ
الموافق: 29/ 12/1994 م




