عصر النفط ينتهي وحرب عالمية جديدة على الموارد تقترب
يغيب النفط شيئا فشيئا من المشهد في عالم تحدد فيه التكنولوجيا قوة الأمم ويحل محله العناصر الأرضية النادرة والمعادن الحيوية مثل الليثيوم والكوبالت،والتيتانيوم والمعادن الأرضية النادرة. أصبحت هذه المواد نفط القرن الحادي والعشرين الجديد. فبدونها يستحيل إنتاج الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية ومقاتلات F-35 والرقائق المتقدمة.
يعيد الصراع العالمي للسيطرة على هذه الموارد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للعالم من غرينلاند إلى أفغانستان ومن أوكرانيا إلى أفريقيا حيث تجري حرب خفية على الموارد تحت الأرض في كل مكان، لأن التكنولوجيات الحديثة تعتمد على المعادن النادرة. يستهلك هاتف آيفون واحد 9 منها وتحتاج بطارية تسلا إلى 10 كيلوغرامات من الليثيوم و14 كيلوغرامًا من النيكل و20 كيلوغرامًا من الغرافيت.
تبلغ قيمة التجارة العالمية لهذه الموارد اليوم نحو 200 مليار دولار ولكنها قد ترتفع بحلول عام 2030 إلى 25-30 تريليون دولار. تكون هذه العناصر ضرورية في الصناعات الدفاعية والطاقات المتجددة، والإلكترونيات.
تمتلك الصين مكانة عالية بحيازتها 85-90% من إنتاج وتكرير العناصر الأرضية النادرة في العالم. ، أوقفت الولايات المتحدة في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إنتاجها، ما سمح لبكين باحتكار شبه كامل. إذا أوقفت الصين التصدير فجأة، فتشل السيليكون والشركات الدفاعية الغربية مثل لوكهيد مارتن.
أدركت إدارة دونالد ترامب هذا التهديد وجعلت أمن توريد المعادن أولوية. كانت محاولة شراء غرينلاند في عام 2019 التي اعتبرها الكثيرون مزحة، خطوة مدروسة.
تكشف الأنهار الجليدية الذائبة عن احتياطيات معدنية هائلة في قاع البحر نحو 1.5 مليون طن وتسعى الولايات المتحدة إلى تكريرها بشكل مستقل لتجاوز سيطرة الصين.
تمتلك أفغانستان التي تُعرف غالبًا بـالسعودية في الليثيوم احتياطيات قيمتها 1-3 تريليون دولار. لا يعني انسحاب القوات الأمريكية فقدان المصالح وقد تتعاون طالبان مع الصين ولكن الولايات المتحدة تستعد لصفقات جديدة أو عمليات عسكرية.
تكون للحرب في أوكرانيا خلفية اقتصادية خفية حيث تقدر احتياطيات التيتانيوم والليثيوم فيها بـ10-12 تريليون دولار. اعترف السيناتور ليندسي غراهام علنًا بأن أحد أسباب المواجهة مع روسيا هو السيطرة على هذه الموارد في دونباس.
في أمريكا الجنوبية، يحتوي «مثلث الليثيوم» أي تشيلي، الأرجنتين، وبوليفيا على 60% من احتياطيات الليثيوم العالمية. ارتبط الانقلاب الفاشل في بوليفيا عام 2019 أيضًا بهذا الأمر.
أشار إيلون ماسك الذي تعتمد شركاته بشدة على الليثيوم، إلى دعم مثل هذه الإجراءات رغم حذفه التغريدة لاحقًا ويؤكد التقارب بين ترامب وماسك على وجود خطط لإخراج الصين من المنطقة.
توفر أفريقيا خاصة الكونغو 70% من الكوبالت العالمي، يكون معظمها عبر شركات صينية. تنوي الولايات المتحدة استعادة السيطرة عبر الاستثمار أو العقوبات أو مقاولين عسكريين.
تمتلك تركيا أيضًا إمكانيات كبيرة في هذا السباق. تسيطر على 73% من احتياطيات البور العالمية كعنصر رئيسي للطاقة النووية والدروع والطاقة المتجددة.
لكن الاكتشاف الرئيسي هو احتياطيات بيليكوفا التي تعد ثاني أكبر احتياطيات في العالم بعد الصين. تحتوي هذه الاحتياطيات على كميات هائلة من العناصر الأرضية النادرة والثوريوم والباريت والفلوريت.
هذا يرفع تركيا من مجرد ممر طاقة إلى مورد استراتيجي. يتيح تطوير التكرير المحلي استخدام هذه الموارد في مشاريع مثل صواريخ TAYFUN ومقاتلات KAAN.
ومع ذلك تزيد الثروة المعدنية من ضغط الغرب حيث يحاولون إبقاء تركيا في مدار النيتو ومنع تقاربها مع الصين وروسيا.
بناءً على ذلك، نرى أن خريطة العالم تُعاد رسمها على طول عروق المعادن، لا وفقاً للحدود. لن تكون النزاعات المستقبلية على آبار النفط بل على مناجم الليثيوم والكوبالت. قد تزدهر الدول الغنية بالموارد المعدنية أو تُلعن حيث تسبب الموارد عدم الاستقرار.
اضطرت القوى العالمية إلى اختيار شريك من بين العمالقة. ينظر ترامب إلى هذه اللعبة كتاجر. بدأ عصر جديد. إن الحرب تجري بكل قوة ونتيجتها تحدد من يسيطر على عالم التكنولوجيا والقوة.
كاتب: أبو عامر (خالد الحموي)




