
سيسجل التاريخ أن الجماعات السنية المسلحة كانت متفرجة على مذبحة أعل السنة في غزة
انتصرت غزة على الصهاينة الذين جهزتم الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى العالمية ودعمتهم ولكن هذا الانتصار ترك أيضاً سجلاً قاتماً لحكام أهل السنة والجماعات المسلحة السنية وخاصة للجماعات المسلحة مثل جماعة الجولاني في سوريا التي كانت تتمتع بالقوة الكافية وتتواجد في دولة تجاور فلسطين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين عندما كان قائداً لدار الإسلام في المدينة المنورة ومحيطها: تَرَى الْمُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى. (البخاري 6011 / مسلم 2586 / الألباني، صحيح الجامع 5849)
منذ أن قام مثيرو الشغب الطائفيون المبتدعين في خلافة عثمان الإسلامية بتقسيم المسلمين وقتلوا علياً وأجبروا الحسن على التنازل وأدى هذا الانقسام إلى اختفاء “الخلافة علي منهاج النبوة” وظهور بدعة الملكية أي”«مُلْكاً عَاضّاً»” في زمن معاوية، فقد المسلمون تلقائيا شورى أولي الأمر والوحدة والتماسك كما فقدوا الخصائص الرئيسية “الخلافة على منهاج النبوة”، وانقسم المسلمون إلى طوائف وجثث وجزر مختلفة ذات قوى مختلفة ومتناقضة.
هذه الكارثة العظيمة وابتكار الملكية التي استمرت حتى يومنا هذا، مهدت الطريق لظهور أفكار فاسدة ومنحرفة للمرجئة والمعتزلة وغيرها من الأفكار المنحرفة والمختلطة في روما وإيران القديمة والهند والصين وغيرها بين المسلمين، وجعلتهم منقسمين فكرياً ومنهجياً، وهو ما نهانا الله تعالى عنه ويأمر: : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (انفال/46).
نفس الانقسام الفكري الذي نشأ بسبب فقدان السيادة وإشراف مجلس شورى أولي الأمر التابع لـ”الخلافة على منهج النبوة”، دفع المسلمين إلى الاستقالة التدريجية من كونهم حكومة موحدة ومركزية من خلال إدخال القضايا العرقية وغيرها من الرغبات الجاهلية والجسدية في هذا الانقسام الفكري والديني وهكذا أصبحوا أجساداً وعائلات مختلفة ومنفصلة ذات مشاكل منفصلة كل منها تركز على نفسها ومشاكلها الخاصة.
ومع تشتيت القوة فقد المسلمون تدريجياً جلالتهم وروعتهم ورغم زيادة عددهم بشكل كبير من حيث عدد السكان، فقد أصبحوا ” غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ» “وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ» وهكذا زالت عظمة المسلمين وخوفهم من قلوب أعداء المسلمين. لقد دعا الأعداء إلى قتال المسملين ودعم بعضهم البعض كما يدعو أهل المائدة بعضهم البعض لتناول الطعام ،« يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» (الألباني، صحيح أبي داود 4297- صحيح الجامع 8183 -السلسلة الصحيحة 958 / شعيب الأرناؤوط، تخريج سنن أبي داود 4297)
وهكذا تناوب المسلمون الانقسام ليصبحوا طاولة يدعو فيها الكفار بعضهم البعض إلى نهب بيت الإسلام ودينهم وحياتهم وشرفهم وأرضهم وممتلكاتهم وسمعتهم، ولم تكن جزر السلطة الأخرى سوى متفرجين على مذبحة الجزيرة الأخرى على يد الكفار المحتلين الأجانب وعصابة المنافقين والمرتدين، حتى جاء دورهم!
لقد شهد التاريخ الإسلامي مشاهد متكررة لهذه الكارثة، من سقوط الأندلس إلى الغزو المغولي والغزو البريطاني والبرتغالي والفرنسي والهولندي والإيطالي والامريكي والصهيوني وما إلى ذلك، على الأراضي الإسلامية.
كان الفرنسيون يذبحون الألجزائريين يوماً ما، وكان أهل السنة يراقبون المشهد وعندما كان الإيطاليون يذبحون عمر المختار وغيره من الليبيين، كان أهل السنة لا يزالون يراقبون، واليوم يذبح أمريكا وحلفاؤها أهل السنة ومسلمين بورما والهند ونيجيريا وإفريقيا الوسطى ومالي والصومال وتتعرض تركستان الشرقية للإبادة الجماعية من قبل الصين ولكن أهل السنة هم المتفرجون فحسب.
لذلك فإن كون أهل السنة متفرجين على مجزرة إخوتهم في غزة ليس بالأمر الجديد في تاريخ المسلمين، بل هو مرض قديم في جسد الأمة الإسلامية، ناتج عن الانقسام بين المسلمين.
الكاتب: أبو عامر